الدمام - فايز المزروعي:
تعتبر الثروات البترولية التي تشمل البترول والغاز، والثروات التعدينية، العمود الفقري والأساس للاقتصاد السعودي، حيث أولى الملك المؤسس عبد العزيز - رحمه الله - أهمية خاصة لهذه الثروات وتنميتها، واهتم بهذا الأمر من بعده ملوك المملكة، خلال السبعين عاماً الماضية، فخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - يولي الأنشطة البترولية والتعدينية أهمية خاصة، ويسعى إلى تطويرها، وتنميتها، ومنحها استقلاليتها الخاصة في إدارة شؤونها، لذا تعتبر المملكة أهم وأكبر دولة بترولية في العالم من حيث احتياطي البترول والإنتاج، والصادرات، والطاقة التكريرية، فالمملكة تمتلك 19 في المئة من الاحتياطي العالمي، و12 في المئة من الإنتاج العالمي، وأكثر من 20 في المئة من مبيعات البترول في السوق العالمية، كما تمتلك طاقة تكريرية تصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين برميل يومياً.
الاحتياطات وزيادة الطاقة الإنتاجية
تقدَّر احتياطات البترول الثابتة في المملكة بنحو 267 مليار برميل، ولبيان مدى ضخامة احتياطيات المملكة، وعلى سبيل المثال فقط، فإنه بوسع المملكة مواصلة الإنتاج بمعدل يبلغ 9.5 مليون برميل في اليوم - قياساً على الاحتياطيات الثابتة فقط - لما يقرب من 80 عاما، أما إذا ما أُخذت الاحتياطيات المحتملة والممكنة في الاعتبار، فيمكن أن يستمر الإنتاج - بإذن الله - لأكثر من 100 عام، كما يمكن أن تضيف الموارد غير المكتشفة عقوداً إضافية عديدة إلى عمر الإنتاج.
وفي هذا الشأن، أنجزت المملكة تنفيذ خطة زيادة الطاقة الإنتاجية لتبلغ 12,5 مليون برميل في اليوم، وهذه الخطة تطلبت القيام بالكثير من الأعمال في الحقول القديمة والجديدة خلال السنوات الماضية، حيث يعكس قرار الاستثمار لزيادة الطاقة الإنتاجية إلى هذا المستوى توقع المملكة استمرار تصاعد الطلب على البترول السعودي لسنوات طويلة، كما يعكس في الوقت نفسه رغبتها في المحافظة على طاقة إنتاجية فائضة معقولة، لا تقل عن 1,5 مليون برميل في اليوم، وكما حدث في الماضي، فقد ساعدت القدرة الإنتاجية الفائضة على استمرار استقرار السوق البترولية، وذلك بضخ المزيد من البترول في حالات نقص الإمدادات، أو ارتفاع الطلب بصورة غير متوقعة.
سياسة معتدلة ومتوازنة
تتسق السياسة البترولية للمملكة مع نهجها وسياستها المعتدلة والمتوازنة، التي تراعي مصالح جميع الأطراف والقوى، وتوازن بين الحاضر والمستقبل، إذ يركز النهج المعتدل للمملكة على التعاون الدولي، والسلام، والتنمية الاقتصادية، وتحقيق الرخاء للعالم أجمع، حيث تسعى سياسة المملكة البترولية إلى استقرار أسواق البترول بالموازنة بين العرض والطلب اعتماداً على ما تملكه من احتياطيات ضخمة، وطاقة إنتاجية عالية، وطاقة فائضة، تمكنها من تلبية الطلب العالمي خلال المواسم المختلفة، كما تسعى المملكة، بالتعاون مع الدول المنتجة الأخرى داخل منظمة الأوبك وخارجها، لضمان توفر كميات كافية من البترول الخام في السوق الدولية، مع تفادي وجود فائض في العرض قد يؤدي إلى انهيار الأسعار في الأسواق التي تسعى المملكة إلى المحافظة على استقرارها، وتجنيبها التقلبات سواءً في الأسعار، أو في مستوى الطلب، كما تسعى المملكة للمحافظة على مستويات أسعار معقولة تحقق مصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء، ليساهم هذا التوازن في نمو الاقتصاد العالمي وبالأخص اقتصاديات الدول النامية، وتحقيق عوائد مناسبة للصناعة البترولية العالمية لتحفيزها على المزيد من الاستكشاف، والإنتاج، لتلبية الطلب المتنامي على البترول.
إرساء تعاون وثيق مع الدول المنتجة والمستهلكة
الحقيقة التي لا شك فيها هي أنه ليس بوسع دول منظمة أوبك السيطرة على الأسعار، فدور أوبك محدود يقتصر على العمل على تحقيق التوازن بين العرض والطلب في سوق البترول الخام، أما الأسعار فتتأثر بعوامل عدة، مثل أوضاع سوق المنتجات البترولية كالبنزين، وزيت التدفئة في الأسواق الرئيسة مثل الولايات المتحدة، واليابان، والاتحاد الأوروبي، والتطورات السياسية في بعض الدول المنتجة، وحركة المضاربين، وصناديق الاستثمار واتجاهها نحو الاستثمار أو عدم الاستثمار في البترول الخام، ودرجة برودة الطقس خلال فصل الشتاء، وغير ذلك من العوامل الأخرى. ومن بين الأدوار الرئيسة للمملكة ودو ل أوبك الأخرى في إطار سعيها إلى تحقيق استقرار أسواق البترول، الاحتفاظ بطاقة إنتاجية فائضة، وتعد هذه الطاقة الفائضة، رغم كلفتها الباهظة، ضرورية لتجنب الأزمات الكبرى الناجمة عن نقص الإمدادات.
وثمة جانب رئيسي من جوانب السياسة البترولية للمملكة هو إرساء تعاون وثيق مع الدول المنتجة والمستهلكة للبترول، فالمملكة ترتبط بتعاون بترولي ثنائي وثيق مع أغلب دول العالم، عن طريق الزيارات الرسمية، والتبادل التجاري، والاستثمارات، وتبادل المعلومات والآراء، وتنسيق السياسات، كما أن المملكة عضو فاعل في العديد من المنظمات والتجمعات الدولية التي تهتم بقضايا البترول والطاقة، ومن أهمها منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، حيث تعتبر المملكة عضو مؤسس لهذه المنظمة التي يقع مقرها في فيينا في النمسا، وعلى المستوى العربي فإن المملكة أيضاً عضو مؤسس في منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (أوابك) ومقرها الكويت، والتي تعمل على إيجاد تنسيق وتعاون بين الدول الأعضاء في مختلف القضايا البترولية، بما في ذلك المشروعات البترولية العربية المشتركة، كما أن المملكة تنسق سياساتها البترولية مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وللمملكة أيضاً تعاون بترولي وثيق ومنتظم مع الدول المنتجة والمصدرة من خارج أوبك مثل روسيا، والنرويج، والمكسيك، والهند، والصين، وغيرهم، كذلك للمملكة علاقات وثيقة مع الدول المستهلكة؛ فبالإضافة إلى التعاون الثنائي على مختلف المستويات مع أغلب الدول الرئيسة المستهلكة للبترول مثل الولايات المتحدة، واليابان، ودول الاتحاد الأوروبي، وكوريا، والصين، والفلبين، وجنوب أفريقيا، والهند، فإن المملكة تقوم بدور كبير ومؤثر ضمن منتدى الطاقة الدولي، الذي يضم أكثر من تسعين دولة رئيسة منتجة ومستهلكة للبترول ومنظمات بترولية مختلفة، يجتمع وزراؤها وممثلوها دورياً كل سنتين، ويهدف المنتدى إلى تعزيز التعاون والتنسيق والحوار بين الدول المنتجة، والمستهلكة، وصناعة الطاقة، ولا شك أن نجاح المملكة في هذا السياق يُعد أمراً لافتاً، ففي الماضي وقبل 20 عاماً لم تكن هناك أية اتصالات بين الجانبين، وكان عدم الثقة بين الطرفين سائداً، فاستطاعت المملكة التقريب بين وجهات النظر المختلفة، وتأسيس أرضية مشتركة للتعاون والحوار بين الدول المنتجة والمستهلكة، عبر آلية مؤسسية واضحة المهام والأدوار، مما كان له أثر إيجابي على الاقتصاد العالمي، واقتصاديات الدول النامية، واقتصاد المملكة بصفتها تملك أكبر احتياطي بترولي في العالم، ويهمها استقرار السوق البترولية، والإمدادات على المدى القصير والطويل، حيث بدأ منتدى الطاقة الدولي نشاطه المدود في عام 1991م وأخذ يتوسع في هذه الأنشطة كل عام، وفي عام 2000م، عُقد المؤتمر الوزاري السابع للمنتدى في مدينة الرياض، حيث افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - ودعا حينها إلى إنشاء أمانة عامة للمنتدى لتعزيز الحوار والتعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة للبترول، مشيراً إلى استعداد المملكة لاستضافة هذه الأمانة في مدينة الرياض، وتقديم كافة التسهيلات لها لتحقيق أهدافها، حيث كانت ردود الفعل على مقترح خادم الحرمين الشريفين إيجابية، ولقيت صدى طيباً في الدول المعنية، وشهد عام 2003م تأسيس الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي في الرياض، وعُقد في فبراير من عام 2011م اجتماع استثنائي لوزراء ومسؤولين كبار من 90 دولة منتجة ومستهلكة، إذ تمت المصادقة على ميثاق منتدى الطاقة الدولي، والذي سيكون له دور حيوي وبنَّاء على الساحة العالمية في السنوات القادمة، والذي من شأنه أن يخدم مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تنمية الاقتصاد العالمي، وإضافة إلى ذلك، فإن المملكة تربطها علاقات تعاون وثيقة مع منظمات الطاقة الدولية، مثل الوكالة الدولية للطاقة التي تضم الدول الرئيسة الصناعية الأكثر استهلاكاً للطاقة، فالمملكة تؤمن بضرورة التعاون الدولي المستمر والمثمر، وتعمل على إيجاده، حيث إنه يساهم في إيجاد مناخ بنَّاء من الحوار والتفاهم يهدف إلى استقرار السوق البترولية الدولية، مما يعزز أهمية وحيوية البترول، ويمكّنه من لعب دوره الفاعل كمصدر أساسي للطاقة، يعتمد عليه العالم من أجل الرخاء والنمو الاقتصادي.
بناء صناعة بترولية راسخة
استطاعت المملكة، أكبر منتج ومصدر للبترول وصاحبة أكبر احتياطيات بترولية في العالم، بناء صناعة بترولية راسخة تدعم مكانتها على الصعيد الدولي، على أساس مبادئ تجارية وتقنية تكفل لها استمرار النجاح، حيث استطاعت المملكة تحقيق ذلك من خلال خطوات أربع، تتمثل الأولى منها في تطوير وتأهيل المواطنين السعوديين، إذ تُولي الصناعة البترولية السعودية موظفيها اهتمامها، بدءاً من استقطاب الشباب السعودي المتميز منذ تخرجه من المرحلة الثانوية، في برامج تدريبية فنية قلّ مثيلها في العالم، كما يتم ابتعاث الواعدين من المرشحين في بعثات دراسية تخصصية تفيد الصناعة البترولية، وقد استطاعت المملكة من خلال هذا البرنامج إيجاد أيدٍ عاملة رفيعة المستوى تضاهي نظيراتها في الدول المتقدمة، وفي شركات البترول العالمية، إذ يبلغ عدد الموظفين السعوديين في شركة أرامكو السعودية نحو 54.500 موظف، فيما تنتمي النسبة الباقية البالغة 13 في المئة إلى نحو خمسين دولة، أما الخطوة الثانية فتتضمن التركيز على الأمور ذات الصلة بالبترول ومصادر الطاقة عموماً، والتقنية والتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث السعودية، مثل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، ومدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، كما تلعب شركات البترول والبتروكيماويات دوراً مهماً في هذا المجال، الذي يشمل الاهتمام بالعلوم والتقنية من الجانب النظري والتطبيقي، فعلى سبيل المثال، تعد أرامكو السعودية أكبر شركة بترولية في العالم في استخدام تقنية الاتصالات والمعلومات في تعقب حركة الإنتاج والنقل لملايين البراميل من البترول والغاز الطبيعي يومياً، ويشمل ذلك مراقبة حقول البترول وآباره، ومراكز التجميع، ومعامل فرز الغاز من البترول، والمصافي، وخطوط الأنابيب، ومرافق الشحن، والتوزيع، ومرافق توليد الكهرباء، ومكاتب المبيعات المنتشرة في أنحاء العالم، كما تستخدم أرامكو السعودية أفضل وأحدث تقنيات التنقيب، والحفر، وإنتاج البترول، ومراقبة الحقول، وتضم الشركة مركزاً للبحوث والتطوير، يعمل فيه حوالي 313 باحثاً يشتركون في العمل على مشروعات بحثية مختلفة، وإيجاد حلول مميزة في مجال تقنية صناعة البترول، ودعم أعمال هذه الصناعة، وفي الخطوة الثالثة تم الحرص على وجود الإدارة الفعَّالة؛ فبدون وجود إدارة خلاقة مؤهلة ومرنة، لا يمكن إنشاء صناعة ناجحة، وهذا اأمر له أهمية قصوى، ليس فقط من خلال التدريب، والتطوير المستمر، والبرامج الإدارية المتخصصة فحسب، بل بإتاحة الفرصة للإداريين لاكتساب المزيد من الخبرات العلمية والمهنية، من خلال التنقل والعمل في الإدارات المختلفة داخل وخارج المملكة، والمشاركة في الأنشطة الدولية المختلفة مثل حضور المؤتمرات والندوات وإلقاء المحاضرات، وتبادل الخبرات المهنية مع الشركات والهيئات ذات العلاقة، وفي رابع هذه الخطوات ركزت المملكة على تأسيس علاقة عمل وطيدة ومثمرة وفعالة بين الحكومة والشركات البترولية العاملة في المملكة، فالحكومة تولي هذه الشركات ثقة تامة ولا تتدخل في الأعمال اليومية للشركات من تنقيب، أو تشغيل، أو صيانة، أو مبيعات، أو مشتريات، أو تعيينات، أو مفاوضات تجارية أو فنية مع الجهات الأخرى داخلياً وخارجياً، حيث يشمل هذا عدم التدخل في أنظمة الشركات الداخلية وأنشطتها المالية، إذ تترك لها الحرية التامة والمرونة اللازمة للوصول إلى أعلى إنتاجية ممكنة، ويمثل مجلس الإدارة قناة الارتباط الأولى بين الحكومة وشركة أرامكو السعودية، المملوكة بالكامل للدولة، حيث يشرف على أعمال الشركة كأي مجلس إدارة في الشركات العالمية الناجحة، أما قناة الارتباط الثانية بين الحكومة والصناعة البترولية السعودية فهي المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن، الذي يرأسه خادم الحرمين الشريفين، والذي يقرر السياسة والاستراتيجية البترولية والتعدينية العليا للمملكة، والخطط العامة للصناعة البترولية والتعدينية السعودية.
صناعة بتروكيماوية متميزة
يُسهم البترول بشكل كبير في إجمالي الناتج المحلي، وفي إيرادات الدولة، وميزان المدفوعات، والصادرات الخارجية، كما يلعب البترول والغاز دوراً أساسياً في إنشاء صناعات وخدمات أخرى مرتبطة بهما، لعل من أهمها الصناعات البتروكيماوية والكهرباء، وتحلية المياه والصناعات الثقيلة ذات الكثافة العالية في استهلاك الطاقة، حيث استطاعت المملكة خلال العقود الثلاثة الماضية إنشاء صناعة بتروكيماوية متميزة منحتها مكانة متقدمة بين أبرز الدول المنتجة والمصدرة للبتروكيماويات في العالم، وبحصة تصل إلى نحو 8 في المئة من إنتاج البتروكيماويات العالمي، وهي نسبة يتوقع لها، بإذن الله، أن تتضاعف خلال السنوات القادمة، وتستخدم الصناعة البتروكيماوية الغاز والبترول كوقود ولقيم، وقد فتحت المملكة الباب أمام الاستثمارات العالمية في مجال التنقيب عن الغاز وإنتاجه، ونتيجة لهذه المبادرة، تم منح أربع مناطق استكشافية لبعض الشركات العالمية، والتي بدأت نشاطها الاستكشافي في هذه المناطق، وذلك وفق أعلى درجات الشفافية، إذ سيؤدي فتح الباب أمام الاستثمارات العالمية في مجال التنقيب عن الغاز الطبيعي إلى مزيد من التوسع في صناعة البتروكيماويات في المملكة، فقد تضاعف إجمالي طاقة معالجة الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن ينمو الطلب على الغاز الطبيعي في مجال توليد الكهرباء كوقود ولقيم صناعي، وفي مشاريع تحلية المياه بنحو 5 - 6 في المئة سنوياً، وبالإضافة إلى الصناعات البتروكيماوية تعمل المملكة على إنشاء وتطوير صناعات وخدمات مرتبطة بالبترول والطاقة، فعلى سبيل المثال، ساهمت وزارة البترول والثروة المعدنية في إنشاء شركة خدمات التصنيع والطاقة التي يملكها ويديرها القطاع الخاص، وقد استغلت المملكة ميزتها التنافسية في مجال البترول والغاز في توقيع اتفاقية مع شركة (سوميتومو كيميكالز) اليابانية لإقامة مشروع مشترك لتطوير مصفاة رابغ على ساحل البحر الأحمر وتحويلها إلى مجمع عالمي للتكرير وإنتاج البتروكيمياويات وتصديرها إلى جميع أنحاء العالم، وقد بدأ هذا المشروع العمل في عام 2010م، كما قامت وزارة البترول والثروة المعدنية بتأسيس مشروع «التجمعات الصناعية» بهدف الاستفادة من المواد البتروكيماوية الأساسية في صناعات تحويلية عوضاً عن تصديرها إلى الدول الصناعية، ومن هذه المنتجات الصناعية أجزاء رئيسة من العربات، والإطارات، والمنتجات المنزلية، واحاويات الصغيرة والكبيرة... وغيرها، حيث تحول هذا المشروع المهم الآن إلى جهاز مستقل تابع لوزارة التجارة والصناعة تحت اسم «برنامج التجمعات الصناعية».
قضايا الطاقة والبيئة
وفي عام 2009م، تم افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وهي أول جامعة عالمية للدراسات العليا في مجال العلوم والتقنية على أرض المملكة، تضم بين جنباتها أحدث ما توصَّلت إليه التقنية العالمية من التجهيزات والمرافق، لإجراء الأبحاث والعمل على تطوير الطاقات البديلة، وتنفِّذ جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية خطة أبحاثها من خلال محاور استراتيجية تركِّز على مجالات العلوم والتقنية التي تهم المملكة ، والمنطقة، والعالم، والعمل على إيجاد وتطوير حلول لقضايا تخص الطاقة والبيئة، كما بدأ مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية أعماله في الرياض عام 2011م، ومن مهامه إجراء الدراسات والأبحاث الخاصة بالصناعة البترولية، في عدَّة مجالات تتعلَّق بهذه الصناعة، وقضايا المحافظة على البيئة، بالإضافة إلى متابعة المستجدات العالمية الاقتصادية، والسياسية، ومجالات الطاقة، والبيئة، وفي شهر يوليو عام 2011م، أعلنت شركة أرامكو السعودية وشركة «داو كيميكال» الأمريكية أن مجلسي إدارة الشركتين اعتمدا تأسيس مشروع مشترك لإنشاء وتشغيل مجمع كيماويات متكامل عالمي المستوى، في مدينة الجبيل الصناعية السعودية، باستثمار يصل لنحو 20 مليار دولار، في حين يتوقع أن يحقق عائداً سنوياً يبلغ 10 مليارات دولار عند اكتماله، ويتكون المشروع من مجمع صناعي يضم 26 وحدة تصنيع، ويستفيد من خبرات أرامكو السعودية في مجال إدارة وإنجاز المشاريع، إلى جانب الكثير من التقنيات الحديثة المملوكة لشركة «داو» ويعتبر هذا المشروع واحداً من أكبر مرافق إنتاج الكيماويات المتكاملة في العالم، وأكبر مرفق من نوعه يتم بناؤه في مرحلة واحدة، ومن المقرر أن تبدأ أعمال الإنشاء على الفور، على أن يبدأ تشغيل وحدات الإنتاج الأولى في النصف الثاني من عام 2015م، بحيث تكون جميع الوحدات قد اكتملت ودخلت في طور التشغيل في عام 2016م.
تقليل الاعتماد على البترول
من الأهداف الاستراتيجية لحكومة المملكة تقليل اعتماد الاقتصاد الوطني على البترول خلال الأعوام القادمة، حيث أدركت الصناعة البترولية السعودية أهمية القطاع الخاص، وبادرت إلى تطويره ودعم قدراته التنافسية، مما يدعم ويعزز الاقتصاد الوطني، فالبترول والغاز، اللذين حبا الله المملكة بثروات كبيرة منهما، نعمة يجب أن نتعامل معها بمنتهى الشفافية والصدق، وأن نسخِّرها لخدمة مجتمعاتنا على كافة المستويات، مع إيجاد علاقات تعاون مستمرة مع كافة الدول وشعوب العالم، فالثروة البترولية هي ثروة ناضبة طال الزمن أو قصر، ومن هنا فإن التحدي هو كيف تُسخّر ثروة ناضبة من أجل خلق تنمية مستدامة ومتنوعة، في عالم يتميز بالتغيّر المستمر، والمنافسة القوية، وعدم اليقين، حيث أكدت رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، أن الاستمرار في تخصيص الأصول المملوكة للدولة ومنها الشركات الرائدة والأراضي والأصول الأخرى من شأنه أن يحقق عوائد إضافية ومتنوعة للاقتصاد، مما سينتج عنه زيادة مواردنا النقدية وسيؤدي استثمارها بحكمة إلى إحداث أثر إيجابي على المدى الطويل، وسيتيح ذلك تنمية الأدوات الاستثمارية التي نمتلكها وتطويرها، وبخاصّة صندوق الاستثمارات العامة الذي نهدف إلى أن يصبح أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم بعد نقل ملكية أرامكو إليه، وسنزيد من فاعلية إدارة الصندوق ونحسن من عوائد استثماراته ونرفع إيراداتنا غير النفطية، كما سنعزز دور الصندوق في تنويع اقتصادنا. لن يكون صندوق الاستثمارات العامة منافساً للقطاع الخاص، بل سيكون محركاً فعالاً لإطلاق بعض القطاعات الاستراتيجية التي تتطلب رؤوس أموال ضخمة. وسيسهم ذلك في ت نمي ة قطاعات جديدة وشركات وطنية رائدة. وانطلاقاً من مكانتنا الريادية وعلاقاتنا التاريخية، سنسعى إلى الدخول في شراكات طويلة الأمد مع الدول الشقيقة والصديقة من أجل التبادل التجاري ونقل المعرفة، إذ تتلخص رؤيتنا في أن نستفيد من قدراتنا الاستثمارية بفاعلية وأن نستثمر في الشركات العالمية الكبرى وشركات التقنية الناشئة من جميع أنحاء العالم، وسنصبح بإذن الله رواداً في إدارة الأصول والتمويل والاستثمار. ويتطلب هذا الدور بناء سوق مالية متقدمة ومنفتحة على العالم، بما يتيح فرص تمويل أكبر وينشّط الدورة الاقتصادية والاستثمارية. وفي هذا الصدد، سنسهل طرح أسهم الشركات السعودية، وندربعض الشركات المملوكة للدولة في السوق المالية، ومنها أرامكو، وسنستمر في تسهيل سبل الاستثمار والتداول. كلّ هذا سيتطلّب تعميق أسواق المال لدينا، وتعزيز دور سوق الدّين، وفتح المجال أمام سوق المشتقات، حيث هدفت الرؤية إلى تنويع الاقتصاد واستدامة النمو برفع نسبة المكون المحلي في قطاع النفط والغاز من 40 بالمائة إلى 75 بالمائة، ورفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة من 600 مليار إلى نحو 7 تريليونات ريال سعودي.
تاريخ البترول
بينما كان المغفور له الملك عبد العزيز يوحد المملكة، بدأ التفكير في الحاجة إلى تطوير دخل المملكة ليساهم ذلك في نهضة الدولة الفتية ، ولذا قامت المملكة بمنح امتياز للتنقيب عن البترول للنقابة الشرقية العامة في عام 1923م ، وذلك قبل أن يتم توحيد البلاد ، وقد انتهى ذلك الامتياز في العام 1928م ، حيث لم تقم النقابة بإجراء أي أعمال تنقيبية .
ودعا الملك عبد العزيز السيد تشارلز كرين ، رجل الأعمال الأمريكي ، لمساعدته في التنقيب عن الثروات في المملكة ، وأرسل السيد كرين الجيولوجي كارل توتشيل الذي أكدت دراساته احتمال تواجد البترول في المنطقة الشرقية من المملكة ، حيث دعم اكتشاف البترول في البحرين في العام 1932م من احتمال تواجد البترول في المملكة ، وفي العام التالي منحت المملكة امتيازا للتنقيب عن البترول لشركة ستاندرد أويل اوف كاليفورنيا (سوكال حينها وحالياً شيفرون) ، وقد تم حفر عدة آبار في حقل الدمام في مكمني رمال البحرين الأول والثاني اللذين اكتشف البترول فيهما في البحرين، إلا أنه لم يتم اكتشاف البترول بكميات تجارية، وفي إحدى رحلاته بين الرياض والمنطقة الشرقية قام كبير الجيولوجيين باول ستاينكي بزيارة دحل الهيت في منطقة الصمان ، ولاحظ وجود طبقة صماء فوق طبقة كلسية عند مدخل الدحل ، ولاحتمال تواجد مثل هذه الطبقات في حقل الدمام تحت الأعماق التي تم الحفر إليها، وتم تعميق حفر بئر الدمام رقم سبعة إلى هذه الطبقات، وتم اكتشاف البترول بكميات تجارية، وقد أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله اسم بئر الخير على بئر الدمام رقم سبعة، وتوالت الاكتشافات بعد ذلك لتصل بنهاية عام 2010م إلى واحد وتسعين حقلا للبترول ، وسبعة وأربعين حقلا للغاز، يحتوي الكثير منها على عدة مكامن ، وبلغ نصيب المملكة من الاحتياطي العالمي ما يقدر بحوالي 20 في المئة ، ولا تزال هناك مناطق كثيرة من المملكة لم يتم استكشافها بصورة كاملة .
وكانت المديرية العامة لشؤون البترول والمعادن تابعة لوزارة المالية السعودية إلى أن أصدر الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود مرسوماً ملكياً بفصل المديرية عن وزارة المالية السعودية وتحويلها إلى وزارة وذلك في العام 1960م ، حيث دأبت الوزارة منذ إنشائها على تطوير صناعة البترول والغاز في المملكة وزيادة الفائدة المتحققة منها للاقتصاد الوطني، كما سعت لتحسين علاقات المملكة في مجال عملها مع المنتجين والمستهلكين من دول العالم، وكانت المملكة إحدى الدول الخمسة المؤسسة لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وذلك في شهر سبتمبر 1960م، إذ تهدف المنظمة إلى توحيد السياسات البترولية بين أعضائها وذلك لتحقيق عائد مناسب للدول المنتجة وللمستثمرين ، وضمان مقابلة الطلب على البترول بأسعار عادلة ، وفي صيف عام 1967م اقترحت المملكة على الكويت وليبيا إنشاء منظمة تجمع الدول العربية المصدرة للبترول، وبعد تدارس الموضوع قامت الدول الثلاث بالتوقيع على اتفاقية إنشاء منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) في بيروت في يناير 1968م، وتم اختيار الكويت كمقر رئيسي لها، وقد نما عدد الدول الأعضاء في المنظمة سريعاً ليصبح عشرة أعضاء في العام 1973م ، وتهدف المنظمة إلى تطوير الصناعة البترولية من خلال التعاون بين أعضائها.