د. فوزية البكر
كما عودنا الملتقي النسائي الأحدي الذي بدأ نشاطه الثقافي بين جمهور النساء في مدينة الرياض منذ أكثر من عشرين عاما، بادر الملتقى في موعده الشهري المعتاد في آخر أحد من كل شهر هجري وتزامنا مع الاعلان الرسمي بالسماح لصناعة السينما بالتواجد في السعودية باستضافة مجموعة من المخرجات السعوديات اللاتي قدمن أعمالا جميلة فنية تميزت بنوعية عالية في الكتابة والسيناريو والمونتاج والإخراج سمح لأفلامهن أن تقتحم المهرجانات العربية والعالمية.
نعم، سنذكر أن عامل الندرة يعطي مساحة ضوئية إضافية لمعشر النساء المشتغلات في هذا الحقل لكن الأعمال نفسها تشي بكم الجهد والتعب والمثابرة التي جعلت أفلام المخرجات السعوديات تتميز عن باقي ما ينتج محليا بكفاءة عالية وأفكار فنية ناضجة تحتاج فقط إلى بيئة خصبة من التشجيع والدفع المادي والفني لتثمر فنا يمطر سماء هذه البلاد سلاما ومحبة.
استمتعت نساء الرياض ممن حضرن الملتقى الأحدي الذي أقيم هذه المرة في جادة إما للفنون في منطقة البجيري قرب الدرعية القديمة بمدينة الرياض بعروض فنية خلابة لأربعة أفلام لمخرجات سعوديات هن على التوالي:
فيلم شكوى للمخرجة هناء العمير والذي يحكي قصة الفقر معجونا بالجهد البشري وبالتناقضات في العلاقات العائلية القريبة، وكم ذكرني المنزل المتهالك الذي تقطنه بطلة الفيلم التي تعمل في قسم الاستقبال في أحد المستوصفات الاهلية ببيوت حواري الرياض القديمة بطلائها المتقشر وثلاجاتها القصيرة المدببة وابوابها الحديدية ذات الآزيز الصدء لغرف تتمدد أرضيتها فوق فرش أزرق رخيص.
الفيلم الثاني كان فيلم حلاوة لمخرجته هناء الفاسي، الذي يتماهي مع صراع وقلق كل فتاة في فترة البلوغ التي تتحول عبرها كل أنثي إنسانة من طفلة تركض في الشارع بوجه طليق إلى أنثى يجب تغليفها بالنقاب وترى الذئاب المريضة بفكرة الأنثي = الجنس محاولة استغلال أية فرصة سانحة للنيل منها، رغم كل السياجات الدينية والثقافية التي تغلف حيوات الناس حيث يعيش ابطال الفيلم.
الفيلم الثالث كان بعنوان (كيكة زينة) لمخرجته ندى المجددي، والذي يمثل مشروعها للتخرج حيث كانت تدرس صناعة السينما في لوس انجلوس بالولايات المتحدة ويحكي قصة فتاة جامعية لا ترغب في عمل تقليدي ولكنها كالآلاف من السعوديات من رائدات الأعمال قد بدأت مشروعها الصغير لصناعة الكيكات الصغيرة (كوب كيكس) عبر الانستجرام لكن والدها الجداوي المحافظ كان يرفض الفكرة خوفا على ابنته الوحيدة اليتيمة ان تضطر لفتح الباب في غيابه والتعامل مع رجال أغراب ممن يقومون بتوصيل الطلبات.
تنمو في الفيلم اللطيف الذي يمتلئ بالالوان والاغاني وقصة الحب الخفيفة ويتميز بمهارة فائقة لممثلته الرئيسية سارة طيبة التي أبدعت في تصوير قلقها وخوفها ومشاعرها الشابة، قضايا معقدة ذات علاقة بكينونة الشابة بعد وفاة والدتها والحماية المفرطة للأب القلق والتغيرات التكنولوجية والوظيفية التي ستفرض نفسها على الآباء في علاقتهم ببناتهم، وما الذي يحدد خيارات الآباء في مواجهة خيارات الأبناء التي قد تطيح بمعتقدات ومفاهيم يتداولها الناس بينهم لكنها، وكما يعرض الفيلم تنهار تدريجيا تحت مطرقة التغيير.
أما الفيلم الرابع فكان فيلم (أيقظني) لمخرجته ريم البيات من المنطقة الشرقية، والذي يقدم لونا جديدا من الأفلام المروية عبر الشعر، ويحكي قصة امراة في نهاية الاربعينات في علاقتها المعقدة مع الخارج بعد سفر أبنائها للدراسة في الخارج مما يدفعها لمواجهة الداخل، سواء كان ذلك هو قلقها الداخلي وأعباؤها النفسية والثقافية التي تتشكل في صورة أمراة عجوز تطاردها مطالبة اياها بالتوبة، أو كان الزوج الذي يبدو متباعدا وغائبا في عالمه العملي والشخصي أو المحيطين ممن لا تتمكن بسبب أزمة منتصف العمر التي تمر بها من التواصل معهم.
تروي لنا هذه الأفلام حكايات اجتماعية استطاعت التقاط خيوط الهموم النفسية والثقافية والتاريخية بمهارة تحسد عليها المخرجات اللاتي استطعن ضغطها في افلام قصيرة مصوغة بقالب فني جميل ومعبر وراق ويبقى ان هؤلاء المخرجات وغيرهن من الرجال والنساء ممن يعملون في قطاع السينما والاخراج بحاجة ماسة لدعم الدولة والقطاع الخاص بالاستثمار في هذا المجال؛ لتتمكن هؤلاء المخرجات مع غيرهن من الناشطين من اقامة صناعة سينمائية حقيقية، إضافة الى أن هذه الصناعة الواعدة ستوفر الالاف من الوظائف والمهن البسيطة والمعقدة بما يحتم علي المؤسسات الاكاديمية المبادرة لافتتاح معاهد وكليات توفر التعليم والتدريب لمحبي هذه الصناعة، خاصة والاحصاءات تخبرنا ان اكثر من عشرة آلاف طالب يكملون دراستهم في الخارج في هذا القطاع مما يعني انهم يمكن ان يكونوا بذرة لأعضاء هيئات تدريس وتدريب في المؤسسات الأكاديمية الفنية المأمولة.