د. محمد عبدالله العوين
يؤلمني هذا العنوان حقًا!
كنت أتمنى أن يكون الاحتفاء بما تمثله من حضارة فاعلة مؤثرة؛ بيد أن واقع الحال الذي نشاهده أن العرب -مع الأسف- لا تأثير لهم قويًا مؤثرًا في سياق صراع الحضارات أو لنخفف الوطء قليلا فنقول تنافس الحضارات على مراكز القيادة والريادة.
كنت أتمنى لو أن الاحتفاء باللغة العربية الذي صارع من أجله في الأمم المتحدة رجال مخلصون قبل عقود من الزمن إلى أن تحقق ذلك في 18 من ديسمبر 1973م وصدر في حينه قرار أممي بإدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية العاملة في الأمم المتحدة بدءاً من ذلك التاريخ واعتباره يومًا عالميًا للاحتفاء بهذه اللغة المجيدة.
لهم الشكر الجزيل أولئك النبلاء الشرفاء الذين مثلوا دولهم العربية -ومنها بلادنا- وكونوا تكتلا قوميًا عربيًا مؤثرًا لتحقيق تلك الغاية النبيلة؛ لكن هل هذا يكفي؟!
لا يكفي هذا الانتصار المعنوي؛ لأنه انتصار ناقص كان من المفترض أن يأتي بلا كفاح ولا جهاد ممن سعوا مشكورين لو أن الأمة العربية كان لها من التأثير في سياق «التنافس» بين الحضارات على مراكز الريادة ما يحتم أن تحتل لغتهم مكانها الطبيعي دون جهد يبذل لتحقيق ذلك كما هي اللغات الأخرى التي تمثل حضارات تقود العالم الآن كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والصينية والروسية واليابانية والإيطالية والأسبانية وغيرها من اللغات الحية، ولعل الكلمة الأخيرة «الحية» التي جاءت عفوا تختصر كثيرا مما أريد قوله.
الاحتفالات الكرنفالية التي تواكب هذه المناسبة -كما أفعل الآن ويفعل غيري- وكما يحدث في مناسبات إعلامية ليوم الشجرة والمرور -مثلا- من باب التذكير والموعظة والتوعية بأهمية الحفاظ على اللغة العربية لا تكفي ولا تغني؛ فالمسألة لا ترتبط بوعي ناقص لدى مستخدميها؛ بل بما تمثله من واقع حضاري متكامل لأمة تعاني من أمراض مزمنة نسأل الله تعالى أن تبرأ منها عاجلا غير آجل.
زرت الأندلس وأردت الدخول إلى جامع «قرطبة» الذي بناه المسلمون في إسبانيا إبان زهو الحضارة العربية في القرنين الثالث والرابع الهجريين وبعد دفع ثمن تذكرة الدخول وجدت تنبيهًا مرفقًا بها كتب باللغة العربية بمنع أداء الصلاة في الجامع ومعلومات أخرى طويلة بلغات مختلفة -ما عدا اللغة العربية- تتحدث عن هذا الجامع الضخم الفاره الذي تحول إلى كنيسة؛ فتألمت كثيرا، كما تألمت أيضا وأنا أتجول في قصور الحمراء بغرناطة والمنشورات الإعلامية والمرشدون السياحيون يتحدثون بكل اللغات الحية إلا اللغة العربية في تجوال محزن بين ممالك وآثار العرب والمسلمين.
مجد اللغة العربية يتحقق بمجد من يتحدثون بها وتفوقهم وغلبتهم وسيادتهم لتفرض نفسها دون كرنفالات ومناشدات وتوسل خوفًا وشفقة عليها من الاندثار.
اللغة عنوان لأمة، فإن سادت سادت وإن هزمت تضاءلت وانزوت وانكسرت وأشارت إلى الجسد المريض المنهك الذي يحملها.
نصحو فتصحو، وننهض فتنهض دون توسل ولا استجداء ولا احتفاءات إعلامية تستجدي الشفقة والإحسان إلى المريض المعلول.