عروبة المنيف
تعتبر بعض الأحداث صادمة للمتلقي عندما تحوي على عنصر المفاجأة والسرعة، فيصعب استيعابها وقبولها بسهولة حتى لو كانت تلك الأحداث إيجابية ومفرحة للبعض، فهي قد تكون غير ذلك للبعض الآخر، ويتبع عنصر المفاجأة أو الصدمة في الغالب آثاراً مختلفة على المتلقي. ولا يخفى علينا آثار «الصدمات الثقافية» أو «الصدمات الحضارية» التي تنتاب البعض عندما يتعرضون لحضارة مختلفة، وتحدث في الغالب عند الانتقال للعيش في بلد آخرتختلف فيه الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها عن ما اعتاد عليه الشخص، فلا يكون التأقلم والتعايش مع الحضارة المختلفة سهلاً أو سلساً.
في عام واحد «2017» عايش مجتمعنا السعودي تغيرات وأحداث متسارعة أخذت طابع المفاجأة أو الصدمة التي لم تكن متوقعة لدى غالبية المتلقين من أفراد المجتمع، والتي أعتبرها نقلة نوعية في تاريخ المملكة وباتجاه تطورها الحضاري والثقافي. لقد كانت أولى الأحداث المتسارعة والمفاجأة، تلك المرتبطة بملف تمكين المرأة وتقلدها مناصب مرموقة في القطاعين العام والخاص، فقد ترأست مجالس إدارة شركات كبرى، وتم تعيينها مديرة تنفيذية ووكيلة وزارة، ولم تنتهي السنة حتى منحت حقها في حرية التنقل داخل المملكة وسمح لها بقيادة السيارة، وتبع ملف المرأة ملفا لا يقل عنه أهمية، إنه ملف الفساد الذي كان قد بدا عصياً على الحل ليأتي القرار الملكي ويحسم القضية لصالح النزاهة والحق والعدل، ولا تنتهي السنة حتى يتم تتويجها بقرار فتح دور للسينما في المملكة وما لذلك الحدث من تأثير إيجابي على المجتمع بأسره، فالسينما أداة من أدوات الثقافة والمعرفة ووسيلة تعليمية فعالة لها دور مباشر في توجيه سلوك المجتمع.
من المتوقع أن تلقى تلك «الصدمات الحضارية» ردود أفعال مجتمعية تتباين حسب مدى قبول المجتمع للتغيير واستيعابه لتداعيات الأحداث فيقل تأثير الصدمة أو يكبر، ففي ملف تمكين المرأة، نحن نعلم أن هناك مستفيدين من بقاء المرأة تحت مظلة السلطة الذكورية، والمقاومة واردة، وكذلك في ملف الفساد، هناك مستفيدون من انتشار الفساد، لهم أجنداتهم الفاسدة ومن الطبيعي أن يقاوموا ويثيروا البلابل على حملة مكافحة الفساد ويتهمونها بالتأثير السلبي على الاستثمار وعلى الاقتصاد، ويندرج ذات المفهوم على ملف افتتاح دور للسينما، آخر الصدمات الحضارية لعام 2017 ، فرفض بعض الفئات أيضاً وشعورهم بالصدمة من حدث كهذا أمر متوقع، ولكنهم بدون شك سيدركون مع الوقت أن المحتوى الثقافي لذلك الحدث ومساهمته في الارتقاء بالفكر سيجعلهم من أكثر المتحمسين لها، وعلى الأخص أولئك الذين يعشقون الشاشة ويستقون معارفهم منها وهم بازدياد، مع العلم أن العديد من الأفلام تجسد الكتب ما سيفتح باب الإبداع والتنوير الفكري.
الشعور بالصدمة هو نتيجة لأي تطور حضاري ومقاومة التغيير لدى فئات من المجتمع أمر وارد ويحصل في كل المجتمعات ولكن عندما تسير المركب بثبات وثقة وبالاتجاه الصحيح لن يثنيها عن وجهتها أعتى العواصف، فالقبطان وطاقمه لن يثنيهم عن عزمهم أي عاصفة، التي لا بد لها أن تهدأ لتعود الأجواء الطبيعية كما ينبغي لها أن تكون، وفي النهاية «لا يصح إلا الصحيح».