م.عبدالله محمد العصيمي
إن إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني دليل على تخلص المملكة من البيروقراطية الإدارية والتي حالت لسنوات عدة دون تأسيس مثل هذه الجهة التي تنظم هذا المجال الحيوي لحماية حياة كل مواطن والمتمثلة في جميع مرافق الحياة وعلى سبيل المثال وليس للحصر من خدمات الكهرباء والصحة والتجارة والمواصلات والمياه والبنوك الخ. وسيساهم هذه القرار التاريخي في تنظيم دور كل الجهات ذات العلاقة بدءا من الجهات العسكرية والأمنية والقطاعات المدنية المسؤولة عن الاتصالات. وسيحافظ هذا القرار السامي الكريم بإنشاء هذه الهيئة على الوطن ويبني قدراته لتكون المملكة لاعباً رئيساً في العالم التقني المترابط لمواجهة حروب المستقبل والتي سيكون ميدان معركتها الفضاء السيبراني (الافتراضي).
وقد يتساءل غير المختصين في الاتصالات وتقنية المعلومات عن هذا المصطلح غير المألوف في مسمى السيبرانية، والحقيقة أن الفضاء السيبراني، هو مجال مركب مادي وغير مادي يشمل مجموعة من العناصر وهي (أجهزة الكمبيوتر، أنظمة الشبكات والبرمجيات، حوسبة المعلومات، نقل وتخزين البيانات ومستخدمي كل هذه العناصر). أما الأمن السيبراني فهو عبارة عن مجموعة الوسائل التقنية والإدارية التي يتم استخدامها لمنع الاستخدام غير المصرح به وسوء الاستغلال واستعادة المعلومات الإلكترونية ونظم الاتصالات والمعلومات التي تحتويها بهدف ضمان توافر واستمرارية عمل نظم المعلومات وتأمين حماية وسرية وخصوصية البيانات الشخصية ولحماية المواطنين من المخاطر في الفضاء السيبراني.
وتتكون الحرب السيبرانية من شقين، الأول الشق الدفاعي والحماية الإلكترونية، ومهمته حماية مكونات الفضاء السيبراني الماديه والمعنوية وأدواته وإجراءات عمله والأفراد القائمين عليه. والشق الثاني هو الهجومي، بعد ما تحول الفضاء السيبراني إلى ميدان للتفاعلات الدولية، برز العديد من الأنماط لاستخداماته ذات الطبيعة المدنية أو العسكرية، الأمر الذي جعل هذا الفضاء مجالاً للصراعات المختلفة، بين الدول أو غير الدول لتحقيق أكبر قدر من النفوذ والتأثير فيه وبدأت تتبلور أشكال الحرب السيبرانية عن نظيراتها التقليدية من حيث المفهوم والتخطيط والتنفيذ وحدود ميدان التأثير.
وتعتبر الحرب السيبرانية غامضة الأهداف مجهولة المصدر تتحرك عبر شبكات المعلومات والاتصالات عالميا وتستخدم أسلحة إلكترونية تستهدف تقنية المعلومات، حيث يتم توجيهها ضد المنشآت الحيوية، أو دسها عن طريق عملاء أجهزة الاستخبارات والطرف الذي يتمتع بقوة هجومية ويبادر بعنصر المباغتة سيكون له الغلبة بغض النظر عن حجم قدراته العسكرية التقليدية، الأمر الذي يناقض نظريات الردع الإستراتيجي وتختلف عن الحرب التقليدية التي تستخدم فيها الجيوش النظامية ويسبقها إعلان لحالة الحرب.
ومن خصائص هذه الحرب، هو عدم القدرة على التمييز بين استهداف المنشآت المدنية أو العسكرية في هجمات الحرب السيبرانية وشبه مستحيل فرض حماية دولية. وأيضاً عدم توحيد مسماها بين الدول ويعتمد ذلك على استخدامها السياسي وتوظيفه دعائيا فقد يطلق عليها مصطلح الحرب أو الإرهاب أو الإرهاب الإلكتروني أو فايروس.
وهناك عوامل عدة ساهمت في تنامي الحرب السيبرانية، أولها تزايد ارتباط العالم بالفضاء السيبراني في جميع مرافق الحياة وفي كل المجالات مثل (قطاعات الطاقة والاتصالات والنقل والصحة والمياه والخدمات الحكومية والمالية والتجارة الإلكترونية، وغيرها، الأمر الذي اتسع معه خطر تعرض البنى التحتية المعلوماتية لهجمات إلكترونية من دول معادية أو أفراد أو جماعات أو شركات لتنال من الأمن الوطني للدول. وأيضا تراجع دور الدول في ظل الخصخصة وانسحابها من بعض القطاعات الإستراتيجية لمصلحة القطاع الخاص و تصاعد أدوار الشركات متعددة الجنسيات والتي تملك قدرات تقنية تفوق الحكومات، خاصة العاملة في مجال التكنولوجيا كفاعل مؤثر في الفضاء السيبراني.
كما ساهم تزايد اعتماد الدول على الأنظمة الإلكترونية في جميع منشآتها الحيوية، بأن جعلها عرضة لهذا التهديد لما له من سمات مدنية وعسكرية متداخلة، خاصة أن الثورة التكنولوجية الحديثة تمخضت عنها ثورات أخرى لتطوير التقنيات العسكرية، إلى جانب قلة تكلفة الحروب السيبرانية، مقارنة بنظيراتها التقليدية، فقد يتم شن هجوم إلكتروني بما يعادل تكلفة طائرة بدون طيار من خلال أسلحة إلكترونية متطورة، ومهارات بشرية عالية، وإمكانية تنفيذ الهجوم في أي وقت ولا يتطلب القيام به وقت طويل.
والحقيقة أن هناك عدم قدرة لدى المجتمع الدولي في التدخل لاحتواء أسلحة الحروب السيبرانية ولا يوجد إمكانية لتفعيل التفتيش مثل الحال في الأسلحة التقليدية، خاصة مع اتساع نطاق مخاطر الأنشطة العدائية للحرب السيبرانية، سواء من الدول أو من جماعات أو أفراد، مع وجود مؤشرات على احتمال تطوير الجماعات الإرهابية لقدراتهم السيبرانية بالرغم من محدوديتها لديهم حاليا، ولكن مع تطور القدرات البشرية على إنتاج تقنيات جديدة تهدد البنى التحتية المعلوماتية، وتراجع سيادة بعض الدول على الشركات التكنولوجية العابرة للحدود، وشبكات الجريمة، والقرصنة الإلكترونية، والجماعات الإرهابية وغيرها، أصبح التفوق في الفضاء السيبراني أو الإلكتروني سلاحا حيويا في تنفيذ عمليات ذات فاعلية في الأرض والبحر والجو واعتماد القدرة القتالية في هذا الفضاء على نظم التحكم والسيطرة التكنولوجية.