أمل بنت فهد
يشتد وقع الشعارات.. والجمل الرنانة.. حين يكون العزف على مشاعر البسطاء.. وكلما زادت السذاجة.. كان التصديق أسرع.. وحين تفقد الثقة قيمتها يستخدمها تجار المصالح الشخصية لجمع جمهور غبي.. والغريب أن هذا الجمهور مخدر لدرجة ألا يسأل عن الحقيقة.. جبان يخشى أن يطلب إثبات.. لأنه دخل مع الحشود من باب الصدفة.. أو «الفضاوة» أو من باب رحمة الأكثرية والأغلبية.. وربما هو من المنتفعين أو الموعودين بقطعة من الكعكة.. لأن التفكير والتمحيص والتمييز من صفات الشجاعة.. التي لا تخشى أن تصرخ في وجه الكاذب.. وتطلب دليلاً لكل الوعود التي أطلقت ذات حماس.
ورغم أن الإنسان يعيش اليوم فرصة لم تتح لمن كان قبله.. فهو يستطيع أن يبحث عن الحقيقية دون جهد مضن.. إذ لم تعد الحقيقة حصرية للباحثين فقط.. بل باتت مشاعة لمن أراد أن يعرف.. يكفي أن يحمل شهية المعرفة.. والتمرد على المنقول والإشاعة.. إلا أنه لا يزال صيداً لتجار القضايا الكبرى.. الذين يحملون شعارات أكبر من نحول وضعف موقفهم.. وقضايا عملاقة لا تناسب قزامة همتهم.. رغم أنه لم يأخذ منهم أكثر من وعود ليس لها فجر ولا شمس.. وأعمالهم تناقض كلماتهم.. ومواقفهم تكذب حديثهم.. إلا أنه لا يزال يحترمهم.. ويصدقهم.. ويهتف لهم.. فهل هو غبي فعلاً؟ أم هو منتفع؟ أم ماذا يحدث لهم.. ما هذا الجنون وما تلك السذاجة؟ كيف له أن يصدق من ميزته الوحيدة أنه يملك فماً كبيراً يعرف كيف يلوك الكلام ومن ثم يبصقه كموقف! ومن قال إن الكلام يقدم أو يؤخر؟ خصوصاً إن لم يظهر بعده فعل صريح.. وموقف واضح لا غبار عليه.
خلاصة الموضوع أن تفرق بين القول لمجرد اصطياد عقلك وقلبك.. ولاءً وتصديقاً.. وبين الفعل الذي لا يمكن تكذيبه.. أو نفيه.. أو تحويره.. أن تعرف معنى اليقين.. فإنه ليس حديثاً يقال.. بل فعل لا يقدر عليه إلا العظماء الذين صنعوا وليس الذين قالوا.
ولتعرف تجار القضايا الكبرى.. يمكنك أن تعمل بنصيحة نابليون بونابرت حين قال: «لا تقاطع عدوك أبداً أثناء ارتكابه خطأً» أتدري لماذا؟ لتجمع له الخطأ تلو الخطأ.. والكذبة بعد كذبة.. ولا تترك له مجالاً ليحرف الحقيقية..
نعم أجمعوا لهم وعودهم.. وأجمعوا لهم مواقفهم.. ليكن لديكم خزينة وثائق قبل أن تمنحوا أحدهم مكانة.. أو تصديقاً.. أو ولاءً.. لأنكم حين تُخدعون فأنتم أول من خدع نفسه بنفسه.