«الجزيرة» - نواكشوط:
تحت رعاية فخامة رئيس جمهورية موريتانيا الإسلامية السيد محمد ولد عبدالعزيز، وبحضور معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، اختُتمت في العاصمة الموريتانية نواكشط فعاليات المؤتمر العالمي حول الاعتدال والسلام في السيرة النبوية الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع التجمع الثقافي الإسلامي بغرب إفريقيا، وسط حضور كبير من أكثر من أربع وعشرين دولة، مثَّلها نخبة من أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة من المسؤولين والعلماء والمفكرين والباحثين وأساتذة الجامعات.
وكان حفل الافتتاح قد شهد عددًا من الكلمات، استهلها ممثل فخامة الرئيس في المؤتمر معالي وزير العدل والقائم بمهام وزارة الشؤون الإسلامية الموريتاني السيد جا مختار ملل، رحب فيها بالضيوف والمشاركين، وشكر معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي على اهتمام الرابطة بعقد مثل هذه الملتقيات العالمية، مثمنًا مساهمة الرابطة وجهودها البناءة في توعية الأمة بقضاياها المعاصرة وفق منهج وسطي معتدل، وربطها بمصدر تشريعها من الكتاب والسنة، مقدرًا مشاركتها الفاعلة في عقد هذا المؤتمر الدولي، ومعبرًا عن أمله بأن يحقق المؤتمر أهدافه.
فيما ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كلمة، قدم فيها شكر الرابطة لفخامة الرئيس الموريتاني على رعاية المؤتمر، وشدد على أهمية تعزيز مفاهيم الوسطية والاعتدال في وعي الأمة المسلمة حتى تكون أقوالها وأفعالها ترجمة صادقة لرسالة الإسلام التي جاءت رحمة للعالمين، مشيرًا معاليه إلى مركزية السيرة النبوية في علوم الأمة وسلوكها، وأنها الأنموذج الذي ينهل منه المسلمون وسطيتهم ومنهجهم الحضاري وأخلاقهم وطرائق تعاملهم مع الآخرين.. داعيًا العلماء لتذكير النشء المسلم بما تضمنته السيرة النبوية من معالم الرحمة والوسطية والاعتدال. وقد استعرض الأمين العام صورًا من السيرة النبوية للتدليل الوثائقي على قيم الاعتدال والسلام فيها. وقد ثمن الحضور في تعليقاتهم ومداخلاتهم لمعاليه حسن الاستشهاد بوقائع متعددة من السيرة، ودقة التحليل العلمي لها كوثائق بارزة من شواهد السيرة للتديل على هذه القيم المترسخة في هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأضاف د. العيسى: تاريخ رسالة رابطة العالم الإسلامي وهو يشع من قِبلتهم الجامعة امتداد لتاريخ الإشعاع الإسلامي. مثمنًا الوجدان الإسلامي الكبير نحو الرابطة وقد انطلقت رسالتها من قِبلتهم ومهوى أفئدتهم، فتاريخ الرابطة هو في حقيقته امتداد لتاريخنا الإسلامي؛ فهي صلة مباركة على هدي نور هذه الرسالة، توضح سبيلها القويم وهديها الكريم من مهبط الوحي والقِبلة الجامعة.
بعدها ألقى الشيخ العلامة محمد الحافظ النحوي رئيس التجمع الثقافي الإسلامي بموريتانيا وغرب إفريقيا كلمة، رحب فيها بمعالي الأمين العالم والوفد المرافق له، مشددًا في كلمته على أهمية تنسيق الجهود في العمل على تجفيف منابع الإساءة إلى المقدسات، وتحصين الناشئة من تيارات الإلحاد والتطرف والغلو. كما دعا إلى تضافر الجهود الرسمية والشعبية لرعاية الأجيال القادمة وبناء شخصيتها وفق هدي سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، التي تنأى عن الإفراط والتفريط. وأضاف فضيلته خلال كلماته في إطار فعاليات المؤتمر بأن الرابطة قلعة إسلامية عالمية، أبرزت المشروع الحضاري للإسلام، وجددت الخطاب الديني، واحتضنت الجميع.
بعد ذلك انطلقت أعمال المؤتمر، وقد قدم المشاركون بحوثهم وأوراق عملهم على عدد من المحاور، تناولت حقوق النبي الكريم على أمته، والفكر الوسطي والمجتمع الإنساني، وقضايا معاصرة في ضوء السيرة النبوية.
وقد دعا المؤتمر في ختام أعماله إلى استلهام قيم الوسطية والاعتدال من السيرة النبوية، والاستفادة من الدروس التي زخرت بها لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام وأحكامه، والتصدي لتيارات الغلو والتطرف، وتطوير الخطاب الوسطي بما يراعي فوارق الزمان والمكان، ويتلاءم مع ثوابت الإسلام القائمة على الاعتدال، ويعالج مشكلات المجتمع المعاصرة بعيدًا عن الانفعال وردود الأفعال الآنية.
وشدد المؤتمر في بيانه الختامي على معالجة الخلاف بين المسلمين بتعزيز التعاون في المشتركات، والتحلي بالإنصاف، ورفض التعصب والانغلاق، ورفض التحزب حول الأسماء والشعارات والأوصاف الطارئة على اسم الإسلام الجامع، وفتح باب الحوار، مع الالتزام بأدب الخلاف، والرجوع إلى الحق.
وشدد المؤتمر على ترسيخ المنهجية العلمية السليمة لدراسة السيرة النبوية بموضوعية واعية، تتحري الدقة والصحة والعمق في تناول أحداثها، وتستقرئ أبعادها الحضارية والإنسانية، ونستفيد من دروس التاريخ في النأي عما يثير الفتن والفُرقة بين المسلمين.
كما دعا المؤتمر وسائل الإعلام إلى الإسهام في نشر ثقافة السلام والتفاهم والاعتدال، وعدم الترويج لثقافة العنف والكراهية، أو إشاعة ما يكدر صفو العلاقات البينية، ويثير التوتر والشقاق.
ودعا المؤتمر المؤسسات الإسلامية كافة المعنية بالعناية بتكوين الكوادر المؤهلة للاضطلاع بخطاب الوسطية في بُعده الحاضن والشامل، وإشراكهم في معالجة الواقع وما يجدُّ فيه على هدي من سيرة نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم -.
كما دعا المؤتمر إلى عقد المناشط التي تستلهم القدوة والأسوة من شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - وسير الصحابة الكرام، واستلهام الدور الحضاري للأمة الإسلامية.
وحث المؤتمر رابطة العالم الإسلامي والمؤسسات الإسلامية على التواصل مع المنظمات الدولية، وفي مقدمتها (هيئة الأمم المتحدة)، لاستصدار قرارات تمنع المساس بالرسالات السماوية، وتمنع التطاول على الرسل، وتجرم هذه الإساءات؛ لما تؤدي إليه من تكدير السلم، وتوفير مناخات مناسبة للقوى التي تسعى لتأجيج الصراع والعنف.
كما طالب المؤتمر المنظمات الإسلامية الحقوقية بتكوين فريق عمل متخصص من رجال القانون والمحاماة لمتابعة ما يحدث من إساءة للإسلام ورموزه وشرائعه لدى المحاكم والمنظمات الدولية المعنية بحماية الحقوق الإنسانية والدينية.
وشدد المؤتمر على مركزية قضية القدس في الوجدان العربي والإسلامي والدولي في سياق الحق التاريخي للشعب الفلسطيني. وأشار المؤتمر إلى أنه يشدد بذلك على هذا الحق المؤيد بالمرجعيات والقرارات الدولية ذات الصلة.
كما ثمن المؤتمرون وفي مداخلاتهم وكلماتهم جهود رابطة العالم الإسلامي، ودعوها مجددًا إلى مواصلة تلك الجهود المشكورة بخطابها العالمي المتميز في إيضاح حقيقة الإسلام، واعتراض رسائل التطرف الديني وتطرف الإسلاموفوبيا.