د.ثريا العريض
ليست مبالغة من شاعرة، أو تناقضًا في المشاعر، أن أفكر في «الوطن الحلم» والأحداث تتسارع مخاطرها حولنا عالميًا وفي الجوار القريب، حيث نعيش في زمن تبدو فيه المنطقة والجيرة كلها وكأنها كرات ملتهبة تتقاذفها أكف عفاريت، حمانا الله والوطنَ من عفاريت الجن والإنس والقوى الكبرى والمصالح الخاصة.
أقول: نحن، القيادة الواثقة والمواطنون الواعون، أقوى بصدق الانتماء من العفاريت ونياتها. وإننا نصر على حماية ماضينا المجيد من العبث بحقائقه وتحويرها من قبل المستفيدين بتعميتنا، الساعين لارتهاننا لطموحاتهم الخاصة. وسننجح في كشف أقنعتها وحماية الوطن منها، سواء كانت طموحات توسع جغرافي تحت مظلة تمذهب أو تدين مظهري كاذب، أو انحرافات فئات داخلية بصيغة استلاب يمحو التوازن الذي تأتي به الحرية الفكرية والتعايش السلمي واحترام حقوق الإِنسان.
يظل توجه القيادة مواصلة العمل لتحقيق التزامها الأهم والأعم، وهو الأمن عالميًا من منطلق: لا يمكن أن يكون هناك شعور بالأمن العالمي في وجود الإرهاب والعدوان، ولا شعور بالمواطنة داخليًا في غياب الحس بالمسؤولية، وتقبل تهميش القيم.
و التفافنا كمجموع حول هذه القيم هو حزام الأمان لنمنع أن ينزلق الوطن مرة أخرى إلى موقع الإرتهان لذوي المصالح الخاصة والشعارات والمظاهر الخادعة، ولنضمن للوطن الأمن فكريًا وسياسيًا واقتصاديًا.
لن أقول إننا حققنا وطنًا مثاليًا بعد، ولكن ذلك هدفنا. ونحن محظوظون أننا أوقفنا تسارع التدحرج إلى هاوية التخلف.
كلنا يطلب وطنًا مثاليًا، وقد لا نتفق على مواصفات المثالية التي نتطلع إليها، ولكن الأمن مطلب مشترك، لا يستهين به أو يترصده إلا مستفيد يرغب في أن يرقص مبتهجًا بدمار عام لأنانية في نفسه. وهؤلاء يتكاثرون كالطحالب في أزمنة المعاناة حين تتعكر النفوس بغياب الوئام والشعور بالأمن فرديًا أو فئويًا. وهناك إطار حضاري مشترك: الوطن المثالي يتطلب رؤية متضحة ومتوازنة النهج، والتطبيق المخلص للقوانين العادلة، والالتزام عند التنفيذ من المسؤولين، والوعي بمصيرية الالتزام بثقافة الممارسة الصحيحة، والإخلاص على مستوى فئات الشعب.
هل يبدو هذا مطلبًا مثاليًا لوطن صعب المنال على أرض الواقع؟ قد يكون، خاصة في وجود من يؤجج الفُرقة وينادي بالإقصاء، أو يركز على الانتقاد بينما هو في ممارساته أبعد الناس عن المثالية، أو دون أن يقدم حلولاً معقولة لفك التأزم.
ومع هذا فالحلم بالأوضاع المثالية علامة إيجابية، وانشغال الناس بمواصفات الوطن المثالي تفكير بنَّاء؛ كل مجتمع مر بفترة بناء أو فترة انحطاط أو ضَعْف، أو تراجع في قيمه الوجودية، يعاود مثقفوه التفكير والحلم بكيفية الارتقاء إلى المثالية. ولا أشك أن لوزير الداخلية الجديد حلمه، وهو المتمرس في تأزمات تثبيت أمن الوطن.
تبقى حقيقة مثبتة تاريخيًا: إن كل مشروع ناجح - بما في ذلك تأسيس الدول، واستدامة نموها - ابتدأ بحلم. وهذا واضح من دراسة تاريخ الحضارات والدول. حيث قيام دولة من مكونات مجتمعية وسياسية واقتصادية متعددة ومتفاوتة هو حلم شاهق، لا يحققه إلا مؤسس وقيادي قدير.
تحقق رغبتنا بتجسد الوطن المثالي في واقعنا مرتبط بإخلاص القائد لمسؤوليته، وشعور المجموع بأن المشروع الوطني مشروع ملهم ملزم. حيث يكون القضاء على الفساد التزامًا وتصبح مميزات الانتماء ومصالحه متاحة للجميع، ولا تسير وجهة الوطن الضغوط الفردية أو الأنانية الفئوية النخبوية والإقصائية. الوعي العام بمسؤولية الانتماء، وقيادة الدولة بحكمة وتوجُّه مستقبلي بنّاء بما ما يضمن تحقق الحلم في مشروع مستدام.
بمثل هذا الوعي والقيادة المثالية، يشعر المجموع بأن المشروع مشروعهم، ويسهمون في إنجاحه وديمومته. حقق الله أحلامنا جميعًا.