«الجزيرة» - د. عبدالله أباالجيش:
أصدرت الجمعية الأوروبية لحرية العراق (إيفا) تقريراً خاصاً يؤكّد دعم إيران للجماعات الإسلامية المتطرفة بعنوان (العلاقات مع تنظيم القاعدة والمتطرفين السّنة تحت المجهر).
إذ أكدت الدراسة على أنه منذ البداية ارتكز النظام في طهران على أعمدة مزدوجة تتمثّل في القمع الداخلي وتصدير الإرهاب والمعتقدات الدينية الرجعية. كانت سياسة تصدير التطرف الإسلامي جانباً واضحاً من إستراتيجية الدولة المُتّبعة في أعلى مستويات النظام على مدى الـ38 عاماً الماضية.
وكتب هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق ومستشار الأمن القومي في 31 يوليو 2006 على القادة الإيرانيين يجب أن يقرّروا «ما إذا كانوا يمثّلون قضية أو أمّة». وبقدر ما يمثّل النظام قضية إسلامية متشدّدة، هناك سؤال آخر عن أنواع التحالفات التي يرغب في الحفاظ عليها في خدمة تلك القضية.
وحقيقة أنّ إيران دعمت وغذّت باستمرار الجماعات الشيعية العميلة المتطرّفة ليست موضع خلاف. لكن الأمر الأقل وضوحا هو علاقات طهران مع المتطرفين السنة.
فمن ناحية، فإنّ الخلافات بين الشّيعة والسنة كبيرة حتى أنّ الكثيرين يعتقدون أن إيران لن ولا يمكن أن تواصل علاقاتها مع منافسيها السنة وأنّها فعلاً حليف للغرب في الواقع في مواجهة المتطرفين السنة، وإن كان ذلك في مناسبات نادرة.
إلّا انّ آخرين يعتقدون أنّه على الرغم من الخلافات بين الشيعة والجماعات السنية المتطرفة، فإنّ لديهم قواسم مشتركة أكثر ممّا قد يبدو. من وجهة النظر هذه، فإنّ إيران قادرة على غضّ الطرف على الخلافات الطائفية لصالح العمل كمركز للتطرف الإسلامي بشكل عام.
وبعد الكشف مؤخراً عن مجموعة أخرى من الوثائق التي حصلت عليها الولايات الأمريكية خلال الغارة على مقرّ إقامة أسامة بن لادن في 2 أيار - مايو 2011، هناك حاجة أكثر إلحاحاً لمراجعة وفهم علاقات النظام الإيراني مع الجماعات السنية المتطرّفة بصفة عامة، ومع تنظيمي القاعدة وداعش على وجه الخصوص.
كشف جديد عن علاقات إيران مع تنظيم القاعدة
وتضمّنت الوثائق السرية الجديدة التي تم الحصول عليها من مقر أسامة بن لادن في آبوت آباد في باكستان تقريراً متألّفاً من 19 صفحة لمسؤول كبير في تنظيم القاعدة.
وتقول الوثيقة إنّ أحد عناصر القاعدة الذي أطلق عليه إسم أبو حفص الموريتاني تفاوض بشأن توفير ملاذ آمن في إيران لبعض نشطاء القاعدة بعد سقوط طالبان في أفغانستان في أعقاب الهجمات التي تعرضت لها الولايات الأمريكية يوم 11 أيلول - سبتمبر 2001 .
الوثيقة، كتبت باللغة العربية وتنصّ في جزء منها على ما يلي:
«فهذه صفحات اقتضى رقمها النصح لإخواني والتبيين لمشايخنا ومحبّينا كيف تعامل إخواننا المجاهدين مع النظام الرافضي الإيراني، وكيف ينظرون إليه في الحال والاستقبال...
الصدمة الكبيرة والارتباك والتشتت:
فلا شك أن مضاعفات واستتباعات ضربات الحادي عشر من سبتمبر كانت كبيرة جداً وربما فوق تصور الأكثرين...
صدمة كبيرة وارتباك وتشتّت
فلا شك أنّ عواقب واستتباعات ضربات الحادي عشر من سبتمبر كانت كبيرة جداً تفوق تصوّر أغلبية الناس...
... وتدفقت أعداد على إيران وحصلت أمور مما سنحكي طرفاً منه في المحور الثاني...
العداوة بين إيران وأمريكا حقيقية
نعم، العداوة بين إيران وأمريكا هي عداوة واقعة وحقيقية، والذي يتصوّر خلاف ذلك ويقول إنّ كل ما بينهما من تظاهر بالعداوة ومن السب والشتم ونحو ذلك إنما هو «مسرحية» و«تمثيلية» فهذا جاهل لا يعرف الحقائق!
فالإيرانيون شيعة رافضة إثنا عشرية إمامية، ومذهبهم معروف لنا جميعاً بكامل الوضوح، ومعتقدهم فينا معروف؛ معتقدهم في أهل السنة وخصوصاً فينا نحن السلفيين، واضح معروف، وطموحهم للسيطرة على العالم الإسلامي وتوقانهم إلى تولي زمام القيادة للعالم الإسلامي، معروف كذلك، وكونهم أصحاب دين طائفي قومي موضوع مخترع مصنوع بأهوائهم، كل ذلك معروف تمام المعرفة لدينا جميعاً، وشعاراتهم التي يرفعونها معروفة...
ومع ذلك فإنهم على أتم الاستعداد للتعاون مع أكثر الناس سلفية و«وهابية» حيثما رأوا أن هذا التعاون والتعامل يحقق لهم مصلحة ولو مؤقتة، ثم ينبذونه في الوقت المناسب مثلاً...
أي شخص يريد ضرب أمريكا فإن إيران مستعدة لدعمه ومساعدته بالمال والسلاح وبكل المطلوب مما لا يورّطهم بشكل صريح وواضح ....! فهم يشتغلون على أمريكا بجدّ، ولكنّهم يخافون من وقوع أي دليل في يد أمريكا، ولهذا يجتهدون جداً ليتركوا أي بصمات لعملهم!
- من أمثلة ذلك أنّهم عرضوا على بعض إخواننا من السعوديين (الذين سفّروهم) أن يدعموهم بالمال والسلاح وبكل ما يحتاجونه، وعرضوا عليهم التدريب في معسكرات حزب الله في لبنان، مقابل ضرب مصالح أمريكا في السعودية والخليج! كما سنشير إلى هذا فيما بعد.
- وعرضوا، وما زالوا يعرضون، على مجموعة أعرفها وهم على تواصل معنا من الإخوة الأوزبك أن يدعموهم كذلك بالمال والسلاح والإقامة والمرور في إيران وبكل ما يحتاجونه مقابل ضرب أهداف أمريكية في أوزبكستان.
- وعندي أمثلة أخرى، ولكن أكتفي بهذا الذي ذكرته الآن ...
فأنتم قد تتعجبون كيف أن شخصاً أو جماعة سلفية «وهابية» بحسب نظر الرافضة الإيرانيين، تدعمها إيران لضرب أميركا!
والذي لا يعرف الأمور ولم يجرّب ربما استبعد هذا، وربما حار في تفسيره وظن الظنون، وهذا كله من قلة المعرفة لا غير. وإلا فالأمر واضح لمن عرف!
وعلى سبيل المبالغة والفرض والتثبيت في الأذهان أنا أقول كم: إن إيران مستعدة لدعم شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب نفسه لو قدّر أنه حيّ وأن الظروف واتتها لكي تدعمه ليضرب أمريكا في مثل ظروفنا الحالية!
... وبعد سقوط الإمارة الإسلامية في أفغانستان، وانسحاب الطلبة والإخوة المجاهدين المهاجرين من العرب وغيرهم، توجّه معظم الإخوة المهاجرين إلى باكستان، وتوجّه قسم منهم إلى إيران رأساً ...
كنت أنا شخصياً ممّن خرج إلى وزيرستان ثم إلى كراتشي وبقينا فيها حوالي ثلاثة أشهر ثم جاءتنا أوامر من الإخوة بالتوجّه إلى إيران. وكان الكثير من الإخوة كارهين لذلك، ولكن كانت أوامر القيادات هكذا، سواء قيادات القاعدة، والجماعة المقاتلة أو غيرهم كثير ... فدخل جمهرة كبيرة من الإخوة إلى إيران، بعضهم بفيزا رسمية، حيث أخذوا التأشيرة من القنصلية الإيرانية في كراتشي، وبعضهم بدون تأشيرة أصلاً ...
وكان من أول من دخل إلى إيران من القيادات الأخ أبو حفص الموريتاني بتفويض من القيادة في تلك المرحلة ...
كان التفويض الذي عند أبي حفص هو أن يتولى التفاهم مع الإيرانيين ليسمحوا لإخواننا بالعبور وبالإقامة في البلد (إيران).
والذي علمته بعد ذلك من إخوة كانوا قريبين من أبي حفص ومن أوائل من دخلوا إلى إيران، أن الإيرانيين في البداية رحّبوا، وبالفعل حدود نقاطاً وشروطاً مع أبي حفص وصاروا يتكلمون مع أبي حفص كمسؤول عن الإخوة جميعاً. ومن ضمن الشروط التي شرطها الإيرانيون: أن لا يستعمل الإخوة الهاتف نهائياً، أي يمتنعون عن الاتصالات الهاتفية لأنّ أمريكا تراقب الاتصالات، وأن يسكنوا في بيوت يؤجرونها لكن لا يعملون أي نشاط ولا تحركات وتجمعات تلفت الأنظار ... ونحو ذلك ... والحاصل كلها كانت شروطاً أمنية ... ووافق أبو حفص والإخوة على ذلك .
وكانت معاملة الإيرانيين (الاستخبارات وغيرهم) للإخوة معاملة طيبة، بل كانوا في الغالب يبشّون في وجوه الإخوة ويعبّرون لهم عن محبة، ويعتبرونهم أبطالاً. طبعاً لا نعرف: هل هذا صادق منهم، أو هو تقية ومسايسة؟ أو غير ذلك؟ الله أعلم ...
لكن الذي يظهر لي أنه بالنسبة للأفراد العاديين في الاستخبارات أو البسيج وغيرهم، فهؤلاء كانوا صادقين في محبة الإخوة، وكانوا ينظرون إليهم كأبطال ضربوا أمريكا فعلاً... ووجدنا في الشيعة الرافضة من يحبنا ويحترمنا جداً. وجلس الإخوة في إيران، وكان معظمهم في مدينة زهدان عاصمة سيستان وبلوشستان.
وتفرق الإخوة شيئاً فشيئاً في المدن الإيرانية: العاصمة طهران قصدها كثيرون منهم أنا وكثير من دفعتي، وأصفهان وشيراز، ومشهد وبندر عباس وغيرها.
أما كيف تعامل الإيرانيون مع الإخوة الذين قبضوا عليهم؟ وكيف سفّروهم؟
فالمعاملة منهم كانت حسنة جداً وفي غاية الاحترام. فكانوا عند ما يقبضون على الإخوة يعاملونهم كإخوة محترمين لدرجة أنهم يعتذرون ويقولون لهم دائماً: نحن مضطرون للقبض عليكم لمصلحتنا ولمصلحتكم، ونحن نعاني من ضغوط كبيرة جداً، كما تعرفون، ونحن نحبكم، وغير ذلك!
وكانت المعاملة محترمة جداً. لا ضرب ولا إهانة ولا كلمة توجع ولا غير ذلك. اللهم إلا شيئاً نادراً.
... وإنما قلناه وكتبناه للضرورة، وهو في غاية السرية كما لا يخفى!
... وفكرة لإخوة المستمرة إلى الآن بحسب علمي أيضاً هو المحافظة على الهدوء في إيران، وعدم إحداث أي حدث فيها، لما تمثّله إيران من ممر ومعبر لإخواننا إلى أفغانستان، وساحة دعم وحركة ولوجستيك، وإن كان كل ذلك بشكل مستتر ومتخف ...
محرّم من سنة ألف وأربعمائة وثمان وعشرين للهجرة.»
بعض ملامح التطرف الإسلامي
وقد ظهر التطرف الإسلامي منذ نحو 40 سنة باعتباره قوة عدوانية ومزعزعة للاستقرار في المنطقة لها تأثير متزايد، وهي تحقن نفسها في معادلات جغرافية سياسية وتتطور تدريجياً بوصفها التهديد الرئيسي للمجتمع الدولي.
الغالبية العظمى من المسلمين في العالم وعددهم 1.7 مليار هم من السنة. في حين أنّ الشّيعة لا يشكّلون سوى 10-15 في المئة. وظهر الصدع بين الفرعين أوّلاً بعد زوال النبي محمد أثناء النزاعات حول من سيخلفه.
وعلى الرغم من خلافاتهم وعداءاتهم اللفظية، فإنّ المتطرفين الشيعة والسنة ينتمون إلى نفس الإيديولوجية الأساسية في أبسط عناصر معتقداتهم وسلوكهم:
السعي إلى إقامة طغيان مروّع تحت اسم حكومة الله
والهدف المعلن للتطرف الإسلامي هو تطبيق الشريعة الإسلامية بالقوّة. وهذا هو القاسم المشترك بين حكم الملالي الشيعي في إيران والمذهب السني لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مناطق أخرى. وتوصف بـ«ولاية الفقيه،» [الحكم المطلق لرجل الدين]، وتوصف أيضاً بالخلافة.
استمرار العدوان
التكتيك المحوري للتطرف الإسلامي هو الجرائم التي لا تنتهي أبداً ضدّ الإنسانية. هذه العدوانية ليست أساساً نتاج السلطة، والواقع أنّها نتيجة لضعف هذا الكيان في الاستجابة للضرورات الحقيقية للمجتمع الحديث، وعلى وجه التحديد فيما يتعلّق بالحكم الديني في إيران وممارسة تكتيك العدوان المستمر لملء فراغ العزلة الاجتماعية، والافتقار إلى الشرعية السياسية الروحية، والتناقض العميق بين الدولة الدينية في طهران والمطالب المتقدمة للمجتمع الإيراني المتعلّم والمتحضّر والمحبط للغاية.
حرب المصير
يعتبر التطرف الإسلامي هذه المعركة حرب القدر/المصير. فهي لا تقبل أبدأ أي نوع من وقف إطلاق النار، والحدّ منها، أو الاعتدال لأن هذا المبرّر ضدّ وجودها. وستواصل الحرب والتوسع إلى اليوم الأخير من بقائها.
عدم الاعتراف بالحدود الجغرافية
أنصار الخلافة الإسلامية يعتبرونها نبوءة عالمية لا تعترف بوجود حدود سياسية أو جغرافية. مهمتهم الجهادية تمتد عبر الكرة الأرضية.
قسوة جامحة
وهذه القوّة البشعة لا حدود لشراستها وهمجيتها ولا تعترف بأي خطّ أحمر. تشمل الجرائم المرتبطة بالتطرف الإسلامي مذبحة الـ30000 سجين سياسي في إيران في عام 1988، رش الحامض في عيون ووجوه النساء، ذبح مواطنين غربيين في سوريا، الهجرة القسرية للمسيحيين والتطهير العرقي والإبادة الجماعية من قبل مسلحين تابعين للنظام الإيراني في العراق، حرق مدينة بأكملها في نيجيريا وإضرام النار في السجناء وقصف المواقع المقدسة وإجراء مجموعة عمليات إعدام علنية.
وفي كتابه «الحكومة الإسلامية» الذي كتبه قبل الاستيلاء على السلطة في إيران في 1979، صاغ آية الله الخميني، مؤسّس الجمهورية الإسلامية في إيران، هذا النهج القاسي باعتباره «جهداً لاقتلاع مصادر الفساد العديدة التي تضرّ بالمجتمع».
كراهية النساء
إنّ إزدراء المرأة هو سمة حية للأصولية الإسلامية. أجبر داعش النساء على العبودية كغنيمة حرب. واختطف بوكو حرام أكثر من 200 تلميذة في نيجيريا كما قامت حركة طالبان بقمع النساء بوحشية. وفرضت إيران العديد من القيود القانونية والاجتماعية على النّساء.
الخداع والغوغائية
اللّجوء إلى الخداع والغوغائية، ولا سيما لتقديم ذرائع دينية للجوء إلى العنف، هو سمة أخرى من سمات وجهة النظر الإسلامية هذه.
التطرف الإسلامي بعد ثورة 1979 الإيرانية
لقد ظهرت التطرف الإسلامي في العصر الحديث مع آية الله الخميني خلال صعوده إلى السلطة في إيران في عام 1979 عقب سقوط دكتاتورية الشّاه التي تدعمها الولايات المتّحدة الأمريكية. وأصبحت إيران أوّل بلد له نظام ديني في التاريخ الحديث.
وكان الأثر والنتيجة المباشرة لتشكيل نظام إسلامي أصولي في بلد كبير مثل إيران له مكانة غير مسبوقة في العالم الإسلامي، هو أنّه سمح لطهران بأن تصبح الراعي السياسي والروحي والإستراتيجي الأساسي لجميع المتطرفين الإسلاميين في جميع أنحاء العالم حتّى لو كانت لديهم خلافات مع النظام. ومجرّد إنشاء حكومة دينية في بلد كبير مثل إيران وفّر القدرة والإمكانية للجماعات الإسلامية المتطرفة - التي كانت مهمّشة في السابق دون أي توقّعات أوانتظارات بشأن السلطة السياسية - لكي تبرز كقوّة سياسية مدمّرة.
بغض النظر عن أي علاقة سياسية ومادية بين هذه الأنواع من المجموعات والنظام الإيراني، المهمّ هو وجود دولة متطرفة حاكمة كقدوة ومصدر للإهام للتشكيل جميع الجماعات الأصولية والخلايا. وبدون وجود مثل هذه الدولة، لن يكون هناك مناخ فكري وأيديولوجي وسياسي ولا قاعدة مركزية تعتمد على ولادة ونموّ هذه الجماعات.
وكما قال محلّل مكافحة الإرهاب في الحكومة الأمريكية «في العام 1979، أصبحت إيران أول جمهورية إسلامية حديثة، حيث إنّ آية الله الخميني أطاح بالنظام العلماني الإيراني وأقام نظاماً جديداً أصبحت فيه الشريعة قانوناً. وفجأة، لم تعد النزعة الإسلامية إيديولوجية للحركات. فقد ألهمت الدولة».
السياسة النشطة والمنهجية التي تتّبعها طهران، تماشياً مع تجنيد المجموعات العميلة واستخدامها، كثّف هذه العملية بشكل كبير. وقد سعى حكم آيات الله لتصبح إيران مركزاً لتصدير التطرف إلى العالم الإسلامي، ما وصفوه علنا بأنها «أمّ القرى» للعالم الإسلامي.
وتدعو طهران في دستورها وفي نصوص وتعليمات أخرى إلى إقامة دولة إسلامية عالمية. ويعتبر الخميني والزعيم الحالي علي خامنئي أنّهما زعيمان لجميع المسلمين في جميع أنحاء العالم وليس فقط الشيعة.
وقد صيغ هذا المفهوم بالذات في دستور الحكم الديني في إيران. وينصّ على ما يلي:
«ومع الالتفات لمحتوى الثورة الإسلامية في إيران - التي كانت حركة تستهدف النصر لجميع المستضعفين على المستكبرين - فإن الدستور يعدّ الظروف لاستمراريّة هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصا ً بالنسبة لتوسيع العلائق الدولية مع سائر الحركات الإسلاميّة والشعبيّة، حيث يسعى إلى بناء الأمة الواحدة في العالم ... ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والضطهدة في جميع أنحاء العالم.
... جيش الجمهورية الإسلامية وقوات حرس الثورة على أساس الهدف المذكور ولا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضاً أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والنضال من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم».
- أكّدت المبادئ 3 و11 و154 من دستور الملالي على تصدير التطرف تحت ذريعة «الحماية الكاملة لمستضعفي العالم.» أو «وحدة العالم الإسلامي».
وينصّ المبدأ 11 على أنّ « يعتبر المسلمون أمة واحدة، وعلى حكومة جمهورية إيران الإسلامية إقامة كل سياستها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، وأن تواصل سعيها من أجل تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية في العالم الإسلامي.».
- دعا الخميني في وصيّته، للإطاحة بحكم جميع الدول الدول الإسلامية وطرد حكامها. وشجّع جميع المسلمين على «أن يتجمّعوا جميعهم تحت راية الإسلام المشرّفة، وأن ينهضوا ضدّ أعداء الإسلام والشعوب المحرومة في العالم؛ والمضي قدماً نحو إقامة دولة إسلامية ذات جمهوريات حرّة ومستقلة».
دعم «حركات التحرير»
ومنذ بدء النظام في تصدير الإرهاب والأصولية، لم تقم طهران بترسيم الحدود على أساس الاختلافات الدينية. وقد اتّضح ذلك من خلال الطائفة الواسعة من المجموعات التي رعاها ودعمها النظام الديني.
وقال جواد منصوري (أول قائد الحرس الثوري الإيراني) ونائب وزير الشؤون الخارجية في عام 1981 في مقابلة حصرية في 20 يونيو 2016: «إنّ تقديم المساعدة للحركات (أي الجماعات الإرهابية والمتطرفة) قد بدأ في عام 1979، وقد كانوا يذهبون أحياناً إلى السيد رفيق دوست، الذي ترأّس وحدة اللوجستيات التابعة للحرس الثوري الإسلامي للحصول على الأموال، والأسلحة، والموقع».
وأضاف: «في نيسان - أبريل 1981، تأسس مكتب الحركات رسمياً ضمن الحرس الثوري الإيراني ... في عام 1981، كان الشهيد رجائي وزير الخارجية وكنت نائبه وكان لدينا اجتماعات منتظمة. في أحد الاجتماعات، قلت له إن هناك ثمانية من الكيانات التي تتلقى الأموال من الحكومة لتصدير الأنشطة الثورية. أجمع المسؤولين في هذه المؤسسات الثماني وعيّن شخصاً واحداً وأخبره بأنّي سأعطيه الميزانية ليقسمها ويجب أن يكون الجميع مسؤولين أمامه».
ولهذا الغرض، امتدّت مخالب طهران في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
وفي تقرير لآية الله حسين على منتظري، وريث الخميني المعين في أوائل الثمانينات، تحدّث مهدي هاشمي، الذي كان مسؤولاً عن «وحدة حركات التحرير» التابعة للحرس الثوري الإيراني، بقدر كبير من التفصيل عن أنشطة النظام لتحديد وإنشاء ورعاية ودعم الجماعات المتطرفة في فلسطين ومصر والعراق وأفغانستان والمغرب. (وفي مصطلح النظام الإيراني، ُيطلق على هذه الجماعات الإرهابية والمتطرفة اسم «حركات التحرير»).
وكانت طهران قد أرسلت وحدات من قوات الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان منذ 1982 . وأدّى ذلك إلى إنشاء حزب الله باعتباره الكيان الرئيسي للجهاز الإرهابي في طهران خارج حدود إيران. وكان شعار طهران في الحرب الإيرانية العراقية آنذاك «طريق القدس يعبر من كربلاء». ولم يكن هذا مجرّد شعار، بل سياسة شاملة انتهجتها طهران بمختلف الوسائل.
وأشارت جميع هذه الأنشطة إلى أنّه وعلى الرغم من أنّ طهران حكومة دينية تقوم على أساس المعتقدات الشيعية فانّها على النقيض من الانطباعات التبسيطية، تنتهج بجدية بالغة إستراتيجيتها ولا تحصر نفسها في أي حدود شيعية سنية.
في كتاب «التطرف الإسلامي: الخطر العالمي الجديد» الذي نشر في عام 1993، محمد محدثين رئيس لجنة الشؤون الخارجية لائتلاف المعارضة الديمقراطية، المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وصف كيف بعد هزيمة النظام الإيراني في الحرب مع العراق عام 1980-88، كثّفت طهران أنشطها المتعلّقة بنشر التطرف الإسلامي عبر منطقة الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى، وصولاً إلى شمال إفريقيا. وأشار محدثين - وهو نفسه ابن أحد آيات الله في مدينة قم مركز التطرف في إيران - إلى أن هذا قد تمّ القيام به للتعويض عن الهزيمة العسكرية ووضع العراق تحت سيطرتها. ولهذا الغرض، نظّمت إيران جميع هيئاتها الحكومية للقيام بأعمال القمع الداخلية ونشر الإرهاب في الخارج.
تعزيز التطرف الإسلامي
ومن المحتمل أن تكون إيران الدولة الوحيدة التي أنشأت منظمات ومؤسسات مكلّفة بتصدير وتعزيز التطرف الإسلامي بأشكال مختلفة. وعلى هذا النحو، لدى طهران هيئات محدّدة للتأثير على الجماعات والشخصيات الشيعية وتجنيدهم إلى جانب كيانات محددة للتأثير على الجماعات والشخصيات السنية وتجنيدهم.
ويتّبع الجهاز نهجاً ذا شقّين:
- إقامة المراكز الدينية والثقافية والملتقيات وتوظيف الدعاة لإعداد التلقين الأيديولوجي الذي يهدف إلى استقطاب وتجنيد المتطرفين الإسلاميين.
- تجنيد ورعاية وتغذية الجماعات المتطرفة من خلال توفير الأموال والأسلحة اللوجستية والتدريب.
الجوانب الأيديولوجية
وعلى مر السنين أضفت طهران على هذه الإستراتيجية وإقامة الخلافة الإسلامية، التي ينبض قلبها في طهران، طابعاً مؤسسياً. تمّ تحديد جميع المسائل المتّصلة بتحقيق هذا الهدف ووضعها في صيغتها النهائية على أعلى مستويات النظام، أي «المرشد الأعلى خامنئي».
وفي رسالة وجّهها إلى الرئيس علي خامنئي في 5 أيلول - سبتمبر 1988، اعترف رئيس الوزراء مير حسين موسوي بهذه الحقيقة. وكتب «إنّ العمليات التي تنفّذ خارج الإقليم تجرى دون علم الحكومة وتعليماتها. وتّم إبلاغنا عن الاختطاف بعد حدوثه. علمنا بالمدافع الرشاشة التي تطلق النار في شوارع لبنان بعد وقوعها وقد سُمع ضجيجها في جميع أنحاء العالم. وعلمت بمصادرة المتفجّرات من حجّاجنا في جدّة أثناء الحجّ (في عام 1986) بعد مصادرتها».
وكان علي خامنئي شخصية رئيسية في هذا الصدد منذ بداية النظام. في رسالة إلى آية الله منتظري، نصّ مهدي هاشمي على أن خامنئي تلقى تقارير من جماعات متطرفة في مصر قبل هاشمي بفترة من الزمن مع أن هاشمي هو الذي كان من المفترض أن يكون المسؤول عن هذه الأنشطة. وأكّد هاشمي أنّه في الواقع، خامنئي هو الذي قدّم له تقرير المتطرفين المصريين.
واستناداً إلى معلومات استخبارية موثوقة، فإنّ قسم العلاقات الدولية في مكتب خامنئي هو الهيئة الرئيسية التي تتابع موضوع التطرف بين الشيعة والسنة.
وبالتّحديد، فإنّ مكتب خامنئي الخاص (المعروف أيضاً باسم مكتب العمليات الخاصة) الذي يرأسه الملا أصغر حجازي، هو الجهاز الرئيسي وراء الإرهاب. ويتألّف مقرّه من قادة فيلق القدس ووزير الاستخبارات ورئيس منظمة الاستخبارات التّابعة للحرس الثوري الإيراني.
بعض المنظمات المشاركة في تجنيد الإسلاميين
«المجمّع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية» هو هيئة تركّز على تجميع السنة تحت راية إيران. جمعية آل البيت العالمية مسؤولة عن تجنيد واستخدام الشيعة في مختلف البلدان. ويتمتّع كلا الكيانين بميزانيات ضخمة. وتشارك أيضاً عشرات الهيئات الأخرى في تجنيد الإسلاميين. وتشمل:
- لجنة الإمام للمعونات: نشطة في الدول الإسلامية وتقدّم المساعدات للناس والجماعات التي يعتقدون أنّهم بإمكانهم تجنيدها لتنضمّ للجناح الأجنبي لقوات القدس التّابعة الحرس الثوري الإيراني.
- مؤسسة الشهيد: تجنيد قوات لفيلق القدس من خلال تقديم المساعدات المالية لأسر القتلى في البلدان التي ينشط فيها فيلق القدس.
- جامعة المصطفى العالمية: قبول طلاب الدين من مختلف البلدان في مدينة قم وتدريبهم وأخيراً إرسالهم إلى بلدانهم للإعلان وحشد الدعم للتطرف.
رعاية الجماعات الشيعية والسنية المتطرفة
تأسّس فيلق القدس قبل ربع قرن من الزمان كالذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني والأداة الرئيسية في سياسة تصدير التطرف وله تسعة فروع كل تستهدف بلداً معيناً أو منطقة محدّدة. ولفيلق القدس مقرّ محدّد لمختلف البلدان ذات الأهمية الإستراتيجية بما في ذلك العراق ولبنان وأفغانستان وسوريا واليمن. وبقوم بأنشطته في هذه البلدان علناً وعلى الملأ وفي بعض الحالات تحت غطاء كيانات واجهة مختلفة.
ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن فيلق القدس يدعم مجموعات واسعة من الجماعات السنية فضلاً عن الشيعية.
ومن بين الكيانات الشيعية، يبرز حزب الله اللبناني الذي أسّسته طهران في عام 1982. يقوم بإدارة أنشطتها الإرهابية والتي تتجاوز الحدود الإقليمية تحت قيادة فيلق القدس. وتخضع جميع شؤونه، بما فيها النفقات والسياسات لإشراف مكتب خامنئي. وتضمّ الجماعات الأخرى العشرات من الكيانات الشيعة العراقية المتطرفة مثل منظمة بدر وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحقّ.
ومن بين السنيين، يدعم فيلق القدس والنظام الإيراني منظمات مثل الجهاد الإسلامي وحماس وطالبان والعديد من المنظمات الأخرى. حركة الجهاد الإسلامي تعتمد اعتماداً كلياً على طهران في ما يخص الأمور المالية والتوجيهات السياسية.
انسجام طهران الإستراتيجي مع تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية (داعش)
إنّ علاقة إيران بالقاعدة وتنظيم داعش هي في الواقع أكثر تعقيداً مما يبدو للوهلة الأولى.
ومن الواضح أنّ جماعات مثل القاعدة وتنظيم داعش ليست مشابهة لحزب الله اللّبناني أو الجماعات الشيعية المتشدّدة في العراق والتي تتلقى أوامرها مباشرة من طهران مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحقّ. ولكنها ليست خصوماً أيضاً، بل في حين توجد اختلافات بين إيران والجماعات السنية المتطرفة، في الواقع لديهما الكثير من القواسم المشتركة. وأهمّ قاسم مشترك بينها هو عدائها للولايات المتحدة الأمريكية وللدول العربية.
وتماشياً مع هذه الإستراتيجية، لم يتنصّل النظام الإيراني أبداً من المساعدة ومن توفير التعاون النشط والدعم واللوجستيات للمتطرفين السنة مثل القاعدة وتنظيم داعش، أينما وكلما كان ذلك يخدم مصالح طهران.
ووفقاً لبعض التقييمات، فإنّ القاعدة تأسست حوالي عام 1988 وتمركزت في باكستان والمنطقة الحدودية الأفغانية في التسعينات. ومع صعود طالبان إلى السلطة في أفغانستان، نُقل مقرّها إلى أفغانستان.
تعاونت إيران مع تنظيم القاعدة سرّاً وفي كثير من الأحيان بالوكالة بسبب السمعة السيئة للأخيرة. وقد بدأ هذا التعاون السري في أوائل عام 1990 في السودان، واستمر بعد انتقال القاعدة إلى أفغانستان، بل تجلّى على التّراب الإيراني قبل وأثناء وبعد هجمات 11 أيلول - سبتمبر.
ويتضمّن تقرير لجنة 11-9، وهو التقرير الرسمي للأحداث التي أدّت إلى هجمات 11 أيلول - سبتمبر 2001 الإرهابية، قسما مخصّصا حصرا للتحقيق في العلاقات الإيرانية بالقاعدة. ويوضّح:
أدّت المناقشات التي جرت في السودان بين القاعدة وعناصر إيرانية، في أواخر 1991 أو 1992، إلى اتفاق غير رسمي للتعاون في تقديم الدعم - حتّى وإن كان مجرّد تدريب - لعمليات تستهدف أساساً إسرائيل والولايات المتّحدة. ولم يمض وقت طويل بعد ذلك حتّى سافر كبار أعضاء تنظيم القاعدة ومدرّبين إلى إيران لتلقي التدريب على المتفجّرات. وفي خريف 1993، ذهب وفد آخر إلى وادي البقاع في لبنان لمواصلة تدريبه على المتفجرات وكذلك على الاستخبارات والأمن. وأُفيد بأنّ بن لادن أبدى اهتماماً خاصاً بتعلّم كيفية استخدام الشاحنات المفخّخة مثل تلك التي قتلت241 من مشاة البحرية الأمريكية في لبنان في 1983. وأظهرت العلاقة بين القاعدة وإيران أن الانقسامات السنية الشيعية لا تشكّل بالضرورة عقبة أمام التّعاون في العمليات الإرهابية.
وأشار التقرير إلى:
وتشير المعلومات الاستخباراتية إلى استمرار الاتصالات بين مسؤولي الأمن الإيرانيين وكبار شخصيات القاعدة بعد عودة بن لادن إلى أفغانستان. قال خلاد (توفيق بن عطاش) أنّ إيران تبذل جهوداً متضافرة لتعزيز علاقاتها مع القاعدة بعد الهجوم الذي وقع في تشرين الأول - أكتوبر 2000 على يو إس إس كول، ولكن جهودها قوبلت بالرفض لأن بن لادن لا يريد أن ينفر أنصاره في المملكة العربية السعودية. ووصف خلاد ومحتجزون آخرون استعداد المسؤولين الإيرانيين لتسهيل سفر أعضاء القاعدة عبر إيران من وإلى أفغانستان. وعلى سبيل المثال، يتم إبلاغ مفتّشي الحدود الإيرانيين بعدم وضع الأختام في جوازات سفر هؤلاء المسافرين. وكانت هذه الترتيبات مفيدة بصفة خاصة لأعضاء القاعدة السعوديين.
وذكر تقرير لجنة 11-9 أنّ الأدلة «أفادت 8 إلى 10 من أصل 14 من النشطاء السعوديين سافروا إلى إيران أو خرجوا منها في الفترة بين تشرين الأول - أكتوبر 2000 وشباط - فبراير2001».
«وخلاصة القول، هناك أدلّة قوية على أنّ إيران سهلت عبور عناصر القاعدة إلى أفغانستان وخروجهم منها قبل 11-9 وأنّ بعض هذه العناصر كانت من بين الخاطفين في هجوم 11-9»، كما جاء في التقرير.
ومن المهمّ جداً القول أن التقرير خلص إلى أنّ علاقة إيران وحزب الله مع القاعدة والمتورطين في هجوم 11-9 «تتطلب مزيداً من التحقيق من جانب الحكومة الأمريكية».
الدور الخاص لحزب الله اللبناني
وقد أدّى حزب الله اللبناني دوراً فريداً في الجهاز الإرهابي للنظام الإيراني. وقد كان ذلك مفيداً ليس فقط في تصدير الأيديولوجية الثورية للجمهورية الإسلامية وإنّما أيضاً في تزويد إيران بوكيل إرهابي مناسب تعمل من خلاله لتفلت من العقاب.
فعلى سبيل المثال، تمكّنت إيران في بعض الحالات، في تعاملها مع تنظيم القاعدة، من الحدّ من مخاطر التّعاون المباشر بإشراك القاعدة عن طريق حزب الله.
وفي 1992، التقى بن لادن عماد مغنية، الذي كان مسؤولاً عن الشؤون العسكرية لحزب الله، وكان العقل المدبّر لتفجير الثكنة الإمريكية في بيروت في عام 1983. ومن الواضح أنّ ذلك كان تمهيداً لاجتماع بين بن لادن ومغنية وعميد قوات الحرس الثوري الإيراني محمد باقر ذو القدر الذي كان رئيس أركان الحرس في السودان في عام 1993. ووفقاً لما ذكرته الحركة الوطنية للمقاومة الإيرانية، فإنّ ذلك خلق خارطة الطريق للتعاون بين القاعدة وحزب الله تحت سيطرة طهران.
في منتصف التسعينات، تفاوض كبار عناصر تنظيم القاعدة بخصوص علاقة سرية بين إيران والقاعدة أدّت إلى تأمين مرور العديد من عناصرها عبر إيران إلى أفغانستان. وصدرت تعليمات إلى حرس الحدود الإيرانيين بعدم ختم جوازات سفرهم، لكي يمنعوا حكوماتهم من الاشتباه في أنّهم سافروا إلى أفغانستان.
وقبل هجمات 11 أيلول - سبتمبر، قدّمت إيران للقاعدة، وبصورة رئيسية من خلال حزب الله، التدريب الحاسم والمتفجرات والدعم اللوجستي.
وللمرّة الأولى، في 7 أب - أغسطس 1998، استخدمت القاعدة بنجاح تكتيكات إيران وحزب الله الإرهابية التي كان لها تأثير مدمّر. نفّذت القاعدة عمليتي تفجير انتحاريتين متزامنتين ضد السفارتين الأمريكيتين في نيروبي بكينيا ودار السلام بتنزانيا، ممّا أسفر عن مقتل 223 شخصاً وإصابة آلاف آخرين.
وفي 28 تشرين الثاني - نوفمبر 2011، استخلصت المحكمة المحلية الأمريكية لمقاطعة كولومبيا أن التفجيرات ما كانت لتكون ممكنة بدون «مساعدة مباشرة» من طهران وكذلك من السودان. «حكومة إيران»، كتب القاضي جون د. بيتس في قراره الذي صدر في 45 صفحة «بمساعدة وتحريض وتآمر مع حزب الله وأسامة بن لادن والقاعدة لشن هجمات تفجيرية واسعة النطاق ضدّ الولايات المتحدة باستخدام آلية متطورة من قنابل الشاحنات الانتحارية المفخّخة القوية». وأضاف الحكم: «وقبل اجتماعاتهم مع المسؤولين والوكلاء الإيرانيين، لم يكن بحوزة بن لادن والقاعدة الخبرة الفنية اللاّزمة لتنفيذ تفجيرات السفارتين في نيروبي ودار السلام. قدّم المتهمون الإيرانيون عن طريق حزب الله التدريب على المتفجرات لأسامة بن لادن والقاعدة، وقاموا بتقديم المساعدة المباشرة لنشطاء القاعدة».
وكتب مجلس العلاقات الخارجية في 6 يونيو 2012: ويقول مسؤولو المخابرات وخبراء الإرهاب أيضاً أنّ القاعدة كثّفت تعاونها في مجال اللوجستيات والتدريب مع حزب الله، وهو ميليشيا لبنانية راديكالية تدعمها إيران ومستمدّة من أقلية المذهب الإسلامي الشيعي.
إيران وتنظيم القاعدة بعد 11-9 وغزو الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق
في حين حافظت إيران باستمرار على الاتصالات والعلاقات على مختلف المستويات مع الجماعات السنية المتطرّفة، فإنّها حاولت أيضاً إخفاء هذه العلاقات من أجل تجنّب أي مسؤولية. وأصبح هذا أسلوب عمل أكثر منهجية بعد 11-9، وتزايد القلق الدولي إزاء تطرف الجماعات السنية.
لعبت طهران دوراً رئيسياً في التحريض على الإرهاب والتطرف، وفي بعض الحالات، قدّمت نفسها كحلّ أو وسيط في الصراع. ومن الحقائق التي لا يمكن إنكارها أنّ النظام الإيراني وتنظيم داعش في العراق كانا منخرطين في صراعات في مناطق مختلفة. ولكن، بتضخيم وإثارة هذه الصراعات لأهداف سياسية، سعى النظام الإيراني إلى أن يصور نفسه حليفاً للغرب في الكفاح ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، بينما ظلّ هدف طهران الرئيسي هو تعزيز وتوسيع نطاق نفوذها في مختلف أنحاء العراق.
وفيما يتعلّق بتنظيم القاعدة، وبعد أن جعل المجتمع الدولي من حلّ القاعدة أولوية عليا، قلّلت إيران من علاقاتها بتنظيم القاعدة وصوّرت نفسها أحياناً على أنّها عدوّ للقاعدة. وفي بعض المناسبات، زعمت إيران أنّها ستقدّم أعضاء القاعدة الذين مُنحوا ملاذاً في إيران للمحاكمة. وهذا لم يحدث، بل إنّ إيران لم تهدّد أبداً أياً من عناصر تنظيم القاعدة الذين كانوا في استضافتها.
ومن الحقائق المعروفة أن عدداً كبيراً من قادة القاعدة فرّوا إلى إيران في عام 2001 بعد سقوط طالبان في أفغانستان. وشمل ذلك عدداً من أفراد أسرة بن لادن المباشرين وبعض من كبار الشخصيات في تنظيم القاعدة.
وقد زوّد النظام الإيراني عن طريق نخبة فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، أعضاء رئيسيين في قيادة القاعدة بملاذ آمن لمواصلة عملياتهم الإرهابية ولتجنّب اعتقالهم من قبل السلطات الدولية.
من بين أولئك الذين ذهبوا إلى إيران رئيس اللجنة الأمنية في تنظيم القاعدة سيف العدل ورئيس القسم الفرعي للتدريب أحمد عبد الله أحمد (الملقّب بأبو محمد المصري) وعبد الله أحمد عبد الله (المسؤول المالي لتنظيم القاعدة) وأبو مصعب الزرقاوي (زعيم تنظيم القاعدة في العراق). كما شملت المجموعة إيضاً إبني أسامة بن لادن وهما حمزة وسعد بن لادن. ويذكر أن عادل، الذي وصفه بعض المحلّلين والخبراء الأمنيين بأنه «أب مؤسس»، مُدرج في قائمة الإرهابيين المطلوبين من المباحث الفيدرالية ووجهت له تهمة القيام بتفجيرات سفارة الولايات المتحدة في عام 1998 في شرق إفريقيا. ووصفته عناصر القاعدة بأنه الرئيس التنفيذي للتنظيم.
ظاهرياً احتجزت إيران عناصر من تنظيم القاعدة تحت «الإقامة الجبرية» ولكن في الواقع استخدم التنظيم إيران كقاعدة عمليات تحت حماية فيلق القدس. وأشار أحد عناصر القاعدة إلى أنّ هناك عدّه مراحل من القيود، ولكنّه في النهاية «ليست حقّا إقامة جبرية، بل هي بالأحرى كرم ضيافة». وعلى مر السنين، سمح النظام الإيراني للقاعدة باستخدام أراضيها للتّخطيط للهجمات الإرهابية في الخارج فضلاً عن تحويل الأموال ونقل الأسلحة والمقاتلين عبر جميع أنحاء المنطقة.
ووفقاً لمسؤولي الاستخبارات الأميركية والأوروبية، حافظ فيلق القدس على علاقات مع شبكة القاعدة الإرهابية منذ أوائل التسعينات. ووفقاً لهؤلاء المسؤولين، فإنّ أيمن الظواهري، القائد الثاني في تنظيم القاعدة، استخدم علاقته التي بلغت عقداً من الزمن مع قائد لواء الحرس الثوري الإيراني العميد أحمد وحيدي، الذي كان آنذاك قائد فيلق القدس، للتفاوض بشأن توفير ملاذ آمن لبعض قادة القاعدة الذين حوصروا في جبال تورا بورا بأفغانستان، في عام 2001 .
وقال أحد محلّلي الاستخبارات الأوروبية أنّ فيلق القدس هو «دولة داخل الدولة ولهذا السبب فإنّه قادر على توفير الحماية للقاعدة». وأضاف «إنّ كبار قادة فيلق القدس تربطهم علاقات قديمة العهد بتنظيم القاعدة ومنذ سقوط أفغانستان، وفّروا لبعض قادة التنظيم وثائق سفر وملاذ آمن».
وفي تقرير نشرته «ذي أطلنطيك» في 11 تشرين الثاني - نوفمبر 2017، أقرّ أدريان ليفي وكاثي سكوت-كلارك أنّ القاعدة قد أعادت بناء نفسها بمساعدة إيران.
واستند الاستنتاج إلى أدلة جديدة جمعها المؤلفين على مدى السنوات الخمس الماضية، شملت مقابلات مع كبار أعضاء تنظيم القاعدة وأسرة أسامة بن لادن.
ووضّح التقرير المفصّل كيف استقل محفوظ بن الوليد حافلة، بتاريخ 19 كانون الأول - ديسمبر 2011، في مدينة كويتا في مقاطعة بلوشستان الباكستانية متوجهة إلى تفتان، المعبر الحدودي الرسمي إلى إيران. عمل محفوظ جنباً إلى جنب مع أسامة بن لادن لمدّة عشر سنوات قبل عام 2001، ليصبح شخصية محورية في مجلس قيادة تنظيم القاعدة ورئيساً للجنة الشريعة (اللجنة القانونية). عندما بدأ رحلته إلى تفتان، كان على قائمة العقوبات التي فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكان مطلوباً من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي لاستجوابه حول تورّطه في إدارة الدعم اللوجستي لهجمات عام 1998 على سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في شرق إفريقيا. عندما توجّهت حافلته نحو الحدود الإيرانية، أمل محفوظ أن يقنع الوكلاء الإيرانيين بتوفير ملجأ دائم لعائلة بن لادن وزعماء القاعدة. وكان محفوظ قد زار الخليج الفارسي من قبل في عام 1995، عندما أرسله هناك بن لادن لكسب الدعم العسكري للقاعدة. في البداية زار محفوظ العراق، حيث رفض صدام حسين طلبه. ولكن في إيران، كان فيلق القدس متعاطفاً معه، وفقاً لما ذكره محفوظ. كان على الطاولة عرضاً لتدريب عسكري متطوّر يدعو مقاتلي القاعدة في عام 1995 لحضور معسكر يديره حزب الله ويرعاه فيلق القدس الإيراني في وادي البقاع اللبناني.
وفي 20 كانون الأول - ديسمبر 2001، سافر محفوظ إلى إيران بوثيقة مزوّرة، واستقبله من الجانب الإيراني عناصر من حركة أنصار المهدي، وهي خلية من النخبة داخل فيلق القدس. وفاز في نهاية المطاف بلقاء في طهران مع قاسم سليماني.
أعطى فيلق القدس الضوء الأخضر لخطّة الملاذ في عام 2002. واتّصل الموريتاني بفلول مجلس القاعدة في بلوشستان بباكستان. وكان أوّل من تمّ إرسالهم هنّ زوجات وبنات رجال القاعدة، إلى جانب اصطحاب مئات من المتطوّعين على مستوى منخفض إلى طهران.
التحقت الموجة التالية في وقت مبكر في صيف 2002 عندما وصل زعماء كبار من القاعدة إلى إيران بنية البقاء وتحفيز عناصر التنظيم. قاد المجموعة أبو مصعب الزرقاوي الذي سيشكل القاعدة في العراق، تمهيداً لتنظيم الدولة الإسلامية داعش. وكان أول من وصل هو سيف العادل. وكان يرافقه زميله المصري وعضو مجلس تنظيم القاعدة أبو محمد المصري - الذي تعرّفه الوثائق التي بحوزته بإسم داود شيريزي-محترف لاعب كرة قدم سابق والذي كان أيضاً مطلوباً من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي من أجل تورّطه في هجمات السفارة عام 1998. وانضمّ إليهما أبو مصعب السوري وهو من أهم الأصوات الإستراتيجية في الحركة. وعلى الفور، خطّط مجلس القاعدة العسكري، الذي أُعيد تشكيله، لهجومه الأول من داخل إيران، وفقاً لما ذكره محفوظ. واستهدف الهجوم ثلاثة مجمّعات سكنية وسكن لعمّال أجانب في الرياض بالمملكة العربية السعودية، ممّا أسفر عن مقتل 35 شخصاً من بينهم تسعة أميركيين في أيار - مايو 2003 .
وقال مسؤولون أمريكيون كبار أنّ الولايات الأمريكية اعترضت اتصالات توحي بقوّة بأن خلية من قادة القاعدة في إيران قامت بشن الهجوم.
وصرّح مسؤول أميركي بارز لصحيفة نيويورك تايمز في 21 أيار - مايو 2003 أنّ «الولايات المتّحدة الأمريكية لديها استخبارات لا يمكن أن تكون خاطئة» بأنّ عشرة على الأقل من عناصر تنظيم القاعدة قد «قاموا بتوجيه بعض العمليات من إيران».
لمّا تأكد محفوظ من أنّ الإتّفاق قائم، دعا عائلة بن لادن.
وبحلول 2006 ، انتعش التنظيم، وقرّرت أسرة بن لادن أن تحاول الوصول إليه، أينما كان مختبئا في باكستان، وهو ما كان ضدّ رغبات الإيرانيين.
على مر السنين، أرسلت إيران كبار مسؤولي القاعدة بصفة تدريجية إلى العراق والدول العربية الأخرى لإنشاء فصائل إرهابية. وانتهي الأمر بعشرات من هؤلاء الأفراد في سوريا والعراق يقودون الجماعات المتطرفة.
وفي 2015 ، أفرجت إيران عن خمسة من كبار أعضاء القاعدة، بمن فيهم سيف العدل الذي يبدو أنّه تقدّم للعمل كزعيم مؤقت للمجموعة فور وفاة أسامة بن لادن والذي رُصد بشأنه مبلغ 5 ملايين دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات عنه. وكان الإفراج عن الرجال الخمسة في إيران جزءاً من تبادل للأسرى في آذار - مارس مع فرع القاعدة في اليمن، والذي يحتجز الدبلوماسي الإيراني أحمد نيكبخت. وكانت نيكبخت قد اُختطف في العاصمة اليمنية صنعاء في تموز - يوليو 2013.
وذكرت شبكه سي ان ان في 11 آذار - مارس 2013 ، «... بالنسبة لنشطاء القاعدة، كانت الحياة في إيران أكثر أمناً من الكثير من زملائهم في باكستان الذين خاطروا بالقبض عليهم من قبل القوات الباكستانية المتعاونة مع وكالة المخابرات المركزية أو الموت بفعل طائرات بدون طيار».
وقد أشار الأمير السعودي تركي الفيصل، الرئيس السابق للمخابرات والسفير لدى الولايات المتحدة، في مقال نشرته الشرق الأوسط في 12 كانون الثاني - يناير 2015، إلى أنّ بعد هجوم 11-9 وغزو أفغانستان، سمح النظام الإيراني لمختلف قادة القاعدة بالفرار إلى إيران ووفّر لهم ملاذاً آمناً. وفي 2003، سمح النظام الإيراني لعدد من قادة القاعدة بالتوجّه من إيران إلى العراق، حيث شكّلوا «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين».
وفقاً لسيث جي جونز، في مقال في مجلة الشؤون الخارجية في 29 كانون الثاني - يناير 2012: «وخلال السنوات العديدة الماضية، ضُربت القاعدة في العراق وباكستان واليمن والقرن الإفريقي وشمال إفريقيا ... ولكن موقع المجموعة في إيران ظلّ دون أن يمسّه أحد تقريباً طوال العقد الماضي .... وفي حوالي تشرين الأول - أكتوبر 2001، أرسلت الحكومة وفداً إلى أفغانستان لضمان السفر الآمن لنشطائها وأسرهم إلى إيران ... وبحلول 2002، كانت القاعدة قد أنشات في إيران مجلس إدارتها وهو الجهاز الذي يقال إنّ بن لادن كلّفه بتقديم الدعم الإستراتيجي لقادة تنظيم القاعدة في باكستان. ووفقاً لتقييم جونز «ربّما ما هو أكثر مدعاة للقلق أنّ إيران تبدو مستعدّة لتوسيع علاقتها المحدودة مع القاعدة» و«اليوم، لا تزال إيران مركزاً مهمّاً للقاعدة». كما ألقت رسائل بن لادن الضوء على علاقات المجموعة بإيران.
وفي 20 أيار - مايو 2015، و1 آذار - مارس 2016، نشر مكتب مدير الاستخبارات الوطنية عدداً من الوثائق التي تم الحصول عليها أثناء مداهمة منزل بن لادن في أبوت آباد في 2011. ومن بين الوثائق، كان هناك رسالة بتاريخ 2007 من بن لادن إلى إرهابي إسمه «كريم». أوضح فيها بن لادن علاقة المجموعة بإيران. وكتب بن لادن «إيران هي شرياننا الرئيسي للأموال والموظفين والاتصالات، فضلاً عن مسألة الرهائن ... ليست هناك حاجه للقتال مع إيران إلّا إذا كنت مجبراً على ذلك.» ونصح بشدّة بعدم شن أي هجوم على إيران.
وتوضّح رسالة أخرى لبن لادن كيف لجأ أعضاء القاعدة إلى إيران بعد 11-9. وفي رسالة إلى الشيخ أبو محمد قال، «بعد هجمات 11 سبتمبر دخلوا إيران بسرعة عبر طرق مختلفة وليس عبر البوابات الرسمية. وبعد شهر، انضمّ إخوة آخرون مع عائلاتهم... »
الطلبات المقدّمة من الولايات المتحدة لمبادلة أعضاء المعارضة مع قادة تنظيم القاعدة
وخلال الاجتماع الذي عُقد في أيار - مايو 2003 بين كبار المسؤولين الإيرانيين ونظرائهم الأمريكيين، اقترح الإيرانيون تبادل زعماء القاعدة بقادة مجموعة المعارضة الإيرانية الرئيسية، المتمثلة في منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، الذين كانوا في مخيم أشرف بالعراق تحت حماية الولايات الامريكية. وكان زلماي خليل زاد السفير الأمريكي السابق لدى العراق وأفغانستان والأمم المتحدة حاضراً في الاجتماع وأوضح في كتابه أنّ الإيرانيين أذاعوا إمكانية «إجراء تبادل مباشر لقادة تنظيم القاعدة مقابل قادة مجاهدي خلق».
وقال مسؤول كبير في المخابرات الأميريكية كان قد تحدّث بشرط عدم ذكر اسمه لشبكة ان بي سي نيوز في 24 يونيو 2005 «أنّ العديد من العروض قُدّمت من عن طريق أطراف ثالثة وليست جميعها دبلوماسية».
ورفضت الإدارة الأمريكية هذه الفكرة ثم أغلقت القناة الدبلوماسية في ذلك الشهر بعد أن ربطت الهجوم الإرهابي الذي وقع في الرياض بزعماء القاعدة في إيران.
اعتراف الولايات المتحدة بعلاقة إيران وتنظيم القاعدة في السنوات الأخيرة
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في 28 تموز - يولية 2011، «أسماء ستّة أعضاء في شبكة القاعدة يقودهم عزّ الدين عبد العزيز خليل، وهو أحد الوسطاء البارزين في تنظيم القاعدة ومقرّه إيران، يعمل بموجب اتفاق بين القاعدة والحكومة الإيرانية. الإجراء المعمول به اليوم، هو الأمر التنفيذي 13224 والذي يوضّح أن إيران تمثّل نقطة عبور حرجة للتمويل لدعم أنشطة القاعدة في أفغانستان وباكستان. وتُعدّ هذه الشبكة بمثابة خط الأنابيب الأساسي الذي تنقل من خلاله القاعدة الأموال والوسطاء والنشطاء من جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا».
- وفي الوقت ذاته، قدّمت وزارة الخزانة الأمريكية أدلّة على عملية واسعة النطاق لجمع الأموال من قبل الجهات المانحة في بلدان الخليج الفارسي مثل الكويت وقطر وتصرفها عناصر من القاعدة في إيران. وقد تمّت معاقبة ستة من أعضاء القاعدة للإشراف على هذه الشبكة. وعرضت الولايات المتحدة مبلغ 10 ملايين دولار كمكافأة للحصول على معلومات تؤدي إلى عبد العزيز خليل.
- وفي 16 شباط - فبراير 2012، صنّفت وزارة الخزانة الأمريكية وزارة الاستخبارات والأمن الإيراني، وهي منظمة الاستخبارات الأولى في إيران، كجهة داعمة للجماعات الإرهابية فضلاً عن دورها المحوري في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضدّ مواطنين الإيرانيين ودورها في دعم النظام السوري وتواصلها في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان ضدّ الشعب السوري.
وقال وكيل وزارة شؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، ديفيد س. كوهين. «لقد صنّفنا اليوم وزارة الاستخبارات والأمن الإيراني كجهة تنتهك حقوق الإنسان الأساسية للمواطنين الإيرانيين وتصدّر ممارساتها الشريرة لدعم القمع البغيض الذي يسلّطه النظام السوري على شعبه». بالإضافة إلى ذلك، فإنّنا نصنّف وزارة الاستخبارات والأمن الإيراني كجهة داعمة للجماعات الإرهابية، بما فيها القاعدة، والقاعدة في العراق، وحزب الله، وحماس، ومرّة أخرى نكشف عن مدى رعاية إيران للإرهاب كمسألة متعلّقة بسياسة الدولة الإيرانية».
- وفي 18 تشرين الأول - أكتوبر 2012، كشفت وزارة الخزانة الأمريكية المزيد حول شبكة القاعدة في إيران بتصنيف عادل راضي صقر الوهابي الحربي (الحربي)، عضو رئيسي في شبكة القاعدة وهو ينشط في إيران تحت قيادة محسن الفضلي (الفضلي)، أحد الأعضاء البارزين في التنظيم. وأكدت وزارة الخزانة الأمريكية أنّ إيران واصلت السماح للقاعدة بتشغيل خط أنابيب أساسي ينقل الأموال والمقاتلين عبر إيران لدعم أنشطة القاعدة في جنوب آسيا. وترسل هذه الشبكة أيضاً التمويل والمقاتلين إلى سوريا. وقال ديفيد س. كوهين أنّ شبكة التمويل والتسهيلات المتمركزة في إيران لها أهمية بالغة بالنسبة لتنظيم القاعدة.
- كشفت الحكومة الأمريكية مرّة أخرى تعاون إيران مع القاعدة في 20 تموز - يولية 2016 . وأدرجت وزارة الخزانة الأمريكية ثلاثة عناصر من تنظيم القاعدة يعيشون في إيران في القائمة السوداء، قائلة أنّهم ساعدوا المجموعة. وقد كشفت وزارة الخزانة الأمريكية أنّ إسراء محمد إبراهيم بيومي وبواسطة السلطات الإيرانية منذ مطلع عام 2015 ساعد أعضاء القاعدة الذين يعيشون في إيران. ويقيم بيومي في إيران منذ عام 2014 وكان قد تمكّن من تسهيل عمليات تحويل الأموال للقاعدة في عام 2015، مما يوحي بأنّ لديه بعض الحرية في العمل منذ انتقاله إلى إيران. ويسيطر أبو بكر محمد غوماين على الأمور المالية والتنظيم للمجموعة داخل إيران منذ عام 2015.
- ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في تقاريرها المتعلّقة بالإرهاب في مختلف الدول والصادرة في 2015، أنّ «إيران لاتزال غير مستعدّة لتقديم كبار أعضاء القاعدة إلى العدالة وأنّها واصلت احتجازهم ورفضت الكشف علناً عن هوية الأعضاء المحتجزين لديها. وكانت إيران قد سمحت في السابق لأعضاء القاعدة الوسطاء بتشغيل خط أنابيب أساسي عبر إيران منذ عام 2009 على الأقلّ، ممّا مكّنها من نقل الأموال والمقاتلين إلى جنوب آسيا وسوريا».
تنظيم القاعدة في العراق والعلاقات مع طهران
عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان، وفّرت إيران ملاذاً آمناً أيضاً لناشط تنظيم القاعدة أبو مصعب الزرقاوي، الذي ذهب إلى تأسيس تنظيم القاعدة في العراق، وهو فرع من التنظيم تطوّر لاحقاً ليصبح تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
وكان الزرقاوي، الإرهابي الذي اشتهر بوحشيته وقسوته التي لا مثيل له، مساعداً مقرّبًاً من أسامة بن لادن. كان يعمل في البداية تحت حماية الحرس الثوري الإيراني ونخبته فيلق القدس. وبعد قضاء بعض الوقت في إيران، توجّه إلى العراق وأقام تنظيم القاعدة في العراق بمساعدة إيران بصفة عامة وفيلق القدس بشكل خاص.
وشمل الدعم الذي قدّمه الحرس الثوري الإيراني لتنظيم القاعدة في العراق المال والأسلحة والأهم من ذلك ترك الحدود مفتوحة أمام النشطاء العابرين من إيران إلى العراق. ووفقا لمسؤولي الاستخبارات فإنّ الوقت الذي أمضاه الزرقاوي في إيران كان مهمًّا للغاية لإعادة بناء شبكته قبل أن ينتقل إلى العراق.
وفي تقرير مؤلف من 125 صفحة مؤرَّخ 6 أيلول - سبتمبر 2004، وصف المكتب الألماني الاتحادي للتحقيقات الجنائية كيف أنشأ الزرقاوي في أوائل عام 2002 مخيمات جديدة ومنازل آمنة في زاهدان وأصفهان وطهران بعلم السلطات الإيرانية. وهكذا أصبحت إيران مركزاً لشبكة الزرقاوي سريعة النمو التي تمتد من شمال القوقاز إلى سوريا وتركيا وأوروبا، بجوازات مزوّرة وأموال وتعليمات جديدة تُوجّه في كل الاتجاهات.
ووفقا لمعلومات استخباراتية حصلت عليها شبكة المعارضة الإيرانية، وهي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية في 2005، فإنّ الزرقاوي لديه العديد من المنازل الآمنة للغاية في إيران بما فيها منزل في منطقه نياوران في شمال طهران. وهذه المنطقة تتميز بإجراءات أمنية مشدّدة جداً.
وكان بحوزة الزرقاوي أيضاً أرقام هواتف متعدّدة تحت أسماء مفترضة لاستخدامها في مناطق مختلفة من البلاد.
وقُتل الزرقاوي في 7 حزيران - يونيو 2006 في غارة جوية شنّتها قوات التحالف. وأدّى عمله إلى إقامة الدولة الإسلامية، التي يقودها حالياً إبراهيم عوض إبراهيم البدري، المعروف على نطاق واسع باسم أبو بكر البغدادي.
وفي مقابلة أجريت في تشرين الثاني - نوفمبر 2015، قال جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك: «لقد أسّس الأسد والمالكي تنظيم الدولة الإسلامية داعش عندما أفرج الأسد عن 1500 سجين والمالكي عن 1000 شخص في العراق والذين تكاتفوا معاً كقوة للإرهاب... كمحاولة لمساعدة الأسد، حتى يتمكَّن من قول، « أنا أو الإرهابيون». وهذا يحدث لأنّ كلاً من المالكي والأسد تحت السيطرة الكاملة لطهران وهو ما يدل إلى الحقيقة التي تشير مباشرة إلى دور طهران في إنشاء تنظيم داعش.
الخاتمة والتوصيات المتعلِّقة بالسياسات
وفي حين أنّه تم تعزيز دور إيران في دعم ورعاية العملاء الشيعة المتطرفين باستمرار، هناك أيضاً أدلّة متزايدة على أنّ طهران تدعم بشكل نشط ومنهجي الجماعات الإرهابية السنية.
وفي حين أنّ الاختلافات بين السنة والشيعة لا تقبل الجدل، فأنّ طهران لم تسمح لهذه الحقيقة أن تؤثِّر على سياساتها، ولكنّها أنشأت كيانات محدّدة لتلبية احتياجات هذه المجموعات تماشياً مع أهداف النظام المشؤومة. وفي هذا الصّدد، يمثِّل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الأداة الرئيسية لتحقيق هذه الأهداف كما يسهم في ذلك حزب الله أيضاً بما أنّه يخضع لسيطرة الحرس الثوري الإيراني.
وقد واصلت طهران أهدافها بخبث على مر السنين وصوّرت في بعض الأحيان نفسها على أنّها «شريك» في مكافحة الإرهاب، حتى وإن كانت لا تزال المحرّض الرئيسي عليه.
وعلى الرغم من أنّه لم يكن ملحوظاً فإنّ القاعدة تحافظ على علاقاتها مع طهران وقوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني منذ أوائل التسعينات. وقد اتّسع دور طهران في توفير الدعم والملاذات الآمنة لتنظيم القاعدة بعد 11 أيلول - سبتمبر 2001. وكان هذا الدعم عاملاً رئيسياً في مساعدة القاعدة على إعادة بناء نفسها.
وتشير أدلّة جديدة إلى أنّه تمّ التقلّيل من تقدير دور طهران في دعم وتمكين تنظيم القاعدة وتنظيم القاعدة في العراق (ما تحوّل لاحقاً إلى تنظيم داعش).
وبعبارة أخرى، أصبح من الواضح أن سياسة تصدير التطرف كانت مسألة كفاءة سياسية بالنسبة لطهران التي جعلت نفسها بؤرة للتطرف الإسلامي. وقد وضع النظام الإيراني هذه السياسة وطوّرها على أعلى مستويات بدعم من جميع الفصائل السياسية.
ونظراً لأهمية رعاية الإرهاب ضمن أهداف النظام الإيراني، يجب بذل المزيد من الجهود للطّعن فيه. والتوصيات السياسات التالية قد تساعد في ذلك:
1. ينبغي للقوى العالمية التي تكافح التطرف الإسلامي والإرهاب النابع منه أن تشدّد على الدور الخاص للنظام الإيراني. يجب أن يكون تناول هذا الموضوع علناً ودون أي اعتبارات سياسية.
2. ينبغي فرض عقوبات على الحرس الثوري الإيراني بكامله وعلى حزب الله. يجب أن تكون هناك حملة شاملة للتعرّف وفضح ومعاقبة جميع شركاء الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في جميع أنحاء العالم.
3. ينبغي للولايات المتحدة وأوروبا وجميع الدول المتحضرة أن تعمل بانسجام لطرد جميع عناصر الإرهاب التابعة للنظام الإيراني من أراضيها.
4. ينبغي طرد حزب الله وجميع وكلاء طهران الآخرين من بلدان المنطقة، ولا سيما من سوريا.
... ... ...
تعريف بالجمعية الأوروبية لحرية العراق (إيفا)
تأسّست الجمعية في 4 نيسان - أبريل 2014، وهي منظمة غير حكومية وغير ربحية مقرها في بروكسل
الرئيس: ستروان ستيفنسون، عضو في البرلمان الأوروبي ويمثِّل اسكتلندا (1999- 2014)، ورئيس وفد البرلمان للعلاقات مع العراق (2009-14)، ورئيس مجموعة أصدقاء إيران الحرة (التجمع) (2004-14). وهو محاضر دولي في شؤون الشرق الأوسط.
أعضاء المجلس: جوليو تيرزي، وزير الخارجية السابق لإيطاليا؛ ريزارد كزارنيكي، نائب رئيس البرلمان الأوروبي؛ أليخو فيدال -كوادراس، نائب الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي (1999-2014)؛ ستيفن هيوز، نائب الرئيس السابق لمجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي (2009-2014)؛ اللورد كارليل من بيرو، مستشار الملكة باولو كاساكا، خبير في شؤون الشرق الأوسط، عضو البرلمان الأوروبي سابقاً (1999-2009)؛ كيمو ساسي، الرئيس السابق لمجلس بلدان الشمال الأوروبي» (فنلندا).
الأعضاء الفخريون: طارق الهاشمي، نائب الرئيس العراقي السابق؛ سيد أحمد غزالي، رئيس وزراء الجزائر الأسبق.