كوثر الأربش
هل تعرف ماذا يحدث بعد انتهاء الحروب؟
العدو لن يغادر أرضك، دون أن يزرع ألغاماً أرضية في كل مكان.
وهذا ما سيحدث في التطرف، إنه، قبل أن يُدمَّر، قبل أن يرحل من ديارنا، أسواقنا، شوارعنا، مساجدنا وجامعاتنا. سيدفن في عقولنا ألغامه الأرضية. التي انفجر بعضها فعلاً بعد كل خطوة تغيير، بعد كل فكرة حضارية يتبنّاها المجتمع، بعد كل قرار يهتم بالفن، الموسيقى، السينما، والمرأة!
هذه الممانعة الشرسة، مردّها فكرة. فكرة تمّت زراعتها منذ سنين طويلة، حتى ركدت في العقل الباطن. إنّ الأفكار التي تستودع العقل الباطن قوية، صعبة التفكيك، تصبح قناعات لا يمكن بالمنطق الرياضي فكها.
«الماضوية والموت» حين تلمح هذين الإيحاءين في حديث أحدهم، اعلم أنه مُجنّد قديم لصالح التطرف (دون أن يعلم)، وأنّ عقله مزروع بالألغام، أعني الأفكار المتطرفة. كيف حدث هذا؟ كيف تمكنوا من جعل مجتمعات بأسرها ملغمة ؟
بالماضي وبالموت. لقد شوهوا أقوى غريزة بشرية، تعزى لها جُل دوافع الحياة: «حب البقاء». الغريزة التي تجعل الغزالة تهرب بعيدًا عندما تتوجس خطرًا قريبًا. الطائر لا يقترب من الفخاخ الواضحة، الحرباء تغير لونها، والإنسان يدفئ جسده ميكانيكيًا حتى لا يموت. هذا هو النظام الطبيعي في الحياة. أن نحب الحياة. لكنهم جعلونا نكرهها، جعلونا ننتظر الموت أكثر مما نفكر في مستقبلنا ومستقبل أبنائنا، نكره الرفاهية، الصحة، الجمال، الفن، الموسيقى.. والترفيه. بحجة أنها دنيوية ولهو، وأن علينا فقط أن نستعد للموت. جعلونا أيضًا ماضويين، ننغمس في مشكلات ما قبل ألف عام، أكثر مما نفكر في قوت عيالنا وصحة أجسادنا. علينا أن نفكر بالأمر بجدية بالغة، مثل تفكيرنا في بناء مستشفيات، شوارع وجامعات. علينا ألا نستهين في بناء العقول. من أجل بلاد حديثة نحن بحاجة قبل كل شيء لعقول حديثة، تفكر بالغد أكثر مما تستهلك طاقاتها بإنعاش الماضي. الماضي وُجد ليموت، والميت له تركة، لا يمكنك أن تقبل إرثًا رخيصًا. علينا أن نختار من الماضي النفائس فقط. أما الأشياء الممزقة فمحلها النسيان. أعيدها للمرة الألف: علينا أن نعيد بناء العقول. تطهيرها أولاً من التطرف. تلك الأفكار المحاربة للحياة هي الألغام التي علينا التنقيب عنها بحذر، إزالتها.. وفتح الطريق للمستقبل وللحياة. كما يفعل الجنود بعد انتهاء المعارك.