عبد الله باخشوين
.. بعد أن تجاوزت «الستين» بكثير أو قليل.. لا أدري فأنا من مواليد «1-7».
عدت لحالتي أحاول تشخيصها بطريقة عملية «قدر الإمكان».. فاكتشفت أنني أعاني من علتين... أولهما:
- صعوبات التعلم..؟!
وهذا يفسر عدم إكمالي للدراسة والاكتفاء بـ»الشهادة الابتدائية» بعد رسوبي مرتين.. وعدم قدرتي على استيعاب «قواعد اللغة العربية» قراءة وكتابة.. وعدم قدرتي على فهم «الجغرافيا» حتى الآن.. ومن البيت الذي أسكنه أعرف الشرق والغرب لكن عندما أكون على سفر افترض أن الشمس يجب أن تشرق من اتجاهها الطبيعي «بيتي» ولا استوعب فكرة أنها «أشرقت» من اتجاه آخر حسب موقع البلد الذي أكون فيه.. وأسلم بالفكرة.. على طريقة: «يالله مشيها».. كأن الخطأ في «الكون» وليس في فهمي..
أما الثانية فهي:
- عدم رغبتي في التعلم..؟!
على طريقة «نشوف بعدين» لأنني أدعي لنفسي أن «بالي» مشغول بقضية أخرى وسوف أعود فيما بعد لتعلم ما كان يجب أن أتعلمه فوراً.
ولي مع هاتين العلتين حكايات.. أهمها حدث مع المرحوم الأستاذ «عابد العابد» والأستاذ «يوسف الشاروني».
فبعد صدور مجموعتي القصصية الأولى «الحفلة» عام 1985.. وصلتني في «أبوعريش» حيث كنت أقيم رسالتين أولاهما من الأستاذ الكبير المرحوم عابد العابد.. يثني فيها على قصص الكتاب ويشير «بأدب جم» إلى وجود أخطاء «طباعية» في «الإملاء واللغة» وكلف نفسه جهداً كبيراً حيث بينها مفصلة بأرقام الصفحات وعدد السطور حتى أقوم بإصلاحها في الطبعات اللاحقة.. وكان آخر إصدار للطبعة الجديدة عن نادي الرياض الأدبي في سلسلة «الكتاب الأول» واشترطت عليهم تعديل الأخطاء فأكدوا ذلك و»طنشوا» لأنهم اكتفوا بتصوير النسخة الأولى.
أرسلت للأستاذ عابد العابد رسالة أوضحت له فيها أن ما يحمله الكتاب من أخطاء هي لأني لا أفقه شيئاً في اللغة العربية.. فأرسل لي رسالة رقيقة مرفقة بكتاب «المفرد العلم» وأكد لي أن الاستعانة به سوف تجعلني أتجاوز الأخطاء البسيطة التي أقع فيها أثناء الكتابة.. وكان الكتاب متوجاً بإهداء رقيق ودعاء بالتوفيق.. وقد بحثت عن الكتاب لنقل الإهداء لمن لم أستطع لأن مكتبتي على صغرها تنقلت بين عشرة بيوت وشقق سكنتها ولا يمكن العثور على أي شيء أريده إلا بشق الأنفس.
وحتى لا أطيل كذلك فعل الأستاذ الكبير والقاص المبدع يوسف الشاروني الذي فصل بدوره الأخطاء برقم السطر والصفحة.
رسالة الأستاذ المرحوم عابد العابد التي حصل عليها الأستاذ عثمان صيني فقام بنشرها في جريدة «الوطن» مع ردي عليها.. بطريقة توحي بأنه من الشامتين والسبب يعود لإحدى أمسيات نادي الطائف التي دعيت للمشاركة فيها.. وخلال وجودي معه في «الدكان» الملحق بمنزله مع عديد من الزملاء.. قدمت له قصة «حالة إصغاء» التي أهملتها ولم أضمها في كتاب وطلبت منه «تشكيلها» حتى أحسن قراءتها.. وبعد الأمسية قال لي ساخراً:
- أتعبتني على الفاضي.. كررت نفس الأخطاء.. وقرأت التشكيل على كيفك.
وضحكت.. لأنني أعرف أنني أقع تحت حالة انفعالية خلال القراءة تنسيني وجود الآخرين.. وأصبح كأني أقرأ لـ»قبيلي» فقط واكتفي برد فعله تجاه ما يسمع.
وهي - هذه - التي تضعني في الحالة الثانية.. أي حالة عدم الرغبة في التعلم.
وللحق فإن تربيتنا في العمل الصحفي في تلك الأيام 1391 ونحوها.. هي سبب الكسل الذي لحق بنا.. حيث إن الصحف يعمل بها «ستاف» من المصححين الضليعين في اللغة الأمر الذي يجعلنا نكتب «المادة الصحفية» دون خوف اعتماداً على حرص «المصحح».
أما في القصة أو الإبداع.. فإنني ألقى بأول اللوم على الأستاذ الكبير الدكتور فهد العرابي الحارثي الذي نشر أول القصص الثقافية والمسرحيات التي كتبتها في جريدة الرياض حينما كان مشرفاً على صفحاتها الثقافية قبل سفره مبتعثاً إلى فرنسا.. فقد التقينا ذات يوم في مكتبة «الثقافة» في باب الريح بالطائف.. فبادرني قائلاً:
- يا أخى أتعبتني.. أقعد لنص الليل سهران أصحح أخطاءك النحوية والإملائية في كل عمل ترسله لي!!
وبعد أن فتح الأوراق التي حملتها له وكانت مسرحية بعنوان «خريجو بنك التشرد الدولي».. قال بدهشة:
- هيا شفت.. هذه المسرحية أول غلطة فيها في العنوان..؟!
فقد كان العنوان الذي كتبته هو:
- خريجي بنك التشرد الدولي.
ويالله نسألك العافية والهداية لسواء السبيل.