عبده الأسمري
بين الهوية والهواية امتزجت كتابته مع الروح أدباً ووسط الرويّة والرواية تمازجت نفسه بالبوح ثقافة.. ومن أعماق «البسطاء» رسم المشهد بقلمه وشخّص المضامين بمهارته.. في سيرته كان «الإنسان» ملهماً والأماكن «إلهاماً» والأسرار استلهاماً» قابلة للعلن في تعابير واعتبارات وعبر أوردها بحسه واستوردها بإحساسه من عمق الزمان وأفق المكان..
إنه الكاتب والقاص والروائي الشهير عبده خال أحد أبرز الروائيين والأدباء السعوديين وأمهر المثقفين الخليجيين..
بوجه جنوبي مستدير ولون أسمر متوسط مألوف تسكنه مطامح «البساطة» وتحفه ملامح «العفوية» وجسد نحيل وملامح معتقة برائحة «الفل» و»الكادي» الجازاني وعينان واسعتان تشع بالصفاء وتنبع بالوفاء وشخصية تلقائية ساكنة تحفها سكنات «المفكر» وتتحفها «ومضات الأديب» وصوت خافت مسجوع بلهجة جداوية عتيقة ولغة فصحى تسكنها مفردات مركبة تنطق بالحكم وتنطلق بالسجع. يطل خال على منصات الأمسيات وفي قاعات المناسبات متوجاً أينما حلَّ يسبقه «التصفيق» ويعقبه «الاحتفال»..
في جازان البذخة بإنتاج نماذج الأدب ولد خال وعاش طفولة مركبة طغت عليها الذكريات فتلحف بدعوات والدته التي كانت تؤنس ليله وهو يترقب السيول وهي تحاصر قريته «المجنة» وتهاليل كبار السن التي ظلت تهزم توجسات «النفس» في أماكن مهددة بالمرض مهيأة للموت فتشكلت «الأماكن» في ذاكرته «كخلايا جسد» وتوطدت علاقته البريئة مع الأحداث كأقدار حتمية فتنامت معه مهارة الكتابة منذ أن كان طفلاً يرصد معاناة الآخرين ومتاعب السفر ولوعة التنقّل بتاريخ إنساني تجسده الكتابة.
سيرة دراسية متنقلة وانتقالية قضاها خال بين الجنوب والوسط والغرب، حيث انتقلت أسرته للرياض ودرس فيها الابتدائية والمتوسطة ثم عاد بعد أربعة أعوام إلى مدينة جدة وأكمل المرحلة المتوسطة فيها وأتم المرحلة الثانوية بها ثم حصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة الملك عبد العزيز. وعمل بالتعليم والصحافة.
ظل خال يجسد الرواية كاتباً العذابات بعذوبة ثقافية وتهذيب أدبي واضعاً «البسطاء» كأبطال و»الحائرين» كنجوم.. متخذاً من الهموم والحقوق «خلطة سرية» أجاد تركيبها فوظًّف الفلسفة واستعان بالجرأة ليشكّل «الرواية» كمنهج حياة وأسلوب عيش وقضية بشر ونتاج إنسان..
يمتلك خال حساً روائياً فريداً وإحساساً إنسانياً مديداً جعلاه متجاذباً مع الوجوه الشاردة والمواجهات الواردة متكئاً على قصص منسية خبئت في جنبات «الذنب» وتوارت وراء متاهات «الخطيئة»، مستنداً على ذكريات طفولة ومذكرات شباب ومفكرات «رشد» واستنتاجات «عمر» واضعاً بصمته كسر للتتويج وعصاميته كعلن للتنافس.
خطب التكريم ودَّ خال في مناسبات عدة كان فيها فارساً للكلمة وعريساً للأدب قدَّم مهر الثقافة بإنتاج باهر، حيث توج بعدة دروع وميداليات وشهادات من أندية وجمعيات سعودية ودولية.
اختالت البوكر فنال خال جائزتها عالمياً بجدارة وصدارة عن روايته «ترمي بشرر» عام 2010 وكرّمته على ضوئها إثنينة عبدالمقصود خوجة ونادي الاتحاد الذي منحه عضوية دائمة «وقد تم تكريمه في عدة محافل دولية في الكويت والجزائر وأمريكا وفرنسا وألمانيا وسوريا والبحرين وقطر والإمارات واليمن.
نالت روايته لوعة الغاوية جائزة أحسن رواية بمعرض الكتاب بالرياض عام 2012 . أصدر خال مجموعة من الروايات والقصص التي مثّلت أرثاً معرفياً وتراثاً ثقافياً من خلال المجموعات القصصية «حوار على بوابة الأرض, الأوغاد يضحكون, لا أحد، ليس هناك ما يبهج, الموت يمر من هنا, حكايات المداد, رشيد الحيدري، الأوراق، ماذا قال القميري، القبر، وصدرت له روايات «مدن تأكل العشب, الأيام لا تخبئ أحداً, نباح, الطين, فسوق. ترمي بشرر. لوعة الغاوية, وقالت حامدة «أساطير حجازية» وقالت عجيبة «أساطير تهامية» وترجمت له العديد من القصص للغات عالمية ولديه عدة أعمال تحت الإعداد والطباعة في الوقت الراهن.
ظل عبده خال متآلفاً مع نفسه متجاهلاً المختلفين معه واضعاً من أدبه مصدات ثقافية أمام الاختلاف ماضياً بموضوعيته نحو منصات «النجومية».
أمضى خال عقوداً كفاعل خير ثقافي يعالج جراح المكلومين ببطولات مطلقة في الروايات ويواسي المتعثرين بجولات طليقة في القصص.. لذا استحق أن يكون حاضراً كتوقيع بشري ووقع إنساني في ذاكرة «الأدب» وإيقاع أصيل في حاضرة «المؤثّرين» كسفير رواية وخبير قصة ووجه ثابت للثقافة الاحترافية والأناقة الأدبية..