عبدالله بن موسى الطاير
نيكي هايلي سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة وضعت المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في ظهور ربما يكون استثنائيًا وخلفها الصاروخ الذي استهدف الرياض في 4 نوفمبر الماضي. دعوتها للعام أن يقف إلى جوار أمريكا في لجم التهديدات الإيرانية مؤشر قوي على أن أمريكا باتت مقتنعة أنه لا سلام في الشرق الأوسط أو العالم بوجود نظام الملالي في طهران.
لم نكن بحاجة إلى 40 عاما لنصل إلى هذا الفهم، وإنما كان العالم بحاجة إلى رئيس مختلف في البيت الأبيض، وسياسة سعودية تسمي الأمور بمسمياتها. والأمير محمد بن سلمان وصف النظام بأنه هتلري لا يمكن التعايش معه.
المزاج الجديد في واشنطن الذي يتحرر من سيطرة المؤسسات الأمريكية التي تبالغ في خطر الخلايا الإيرانية النائمة، وتتجنب نبش عش الدبابير من جانب، والسياسة السعودية الجديدة التي ترغب في مواجهة الخطر وليس العيش تحت مقصلة تهديده من جانب آخر، والقناعة التي تولدت من رحم المعاناة في سوريا واليمن والعراق ولبنان من جانب ثالث تشير مجتمعة بأصابع الاتهام إلى نظام ولاية الفقيه الذي أقلق المنطقة ووترها خلال أكثر من ثلاثة عقود مضت. هذه المستجدات الثلاثة يجب أن تكون كافية لدحر الشر الكهنوتي.
الأمريكيون ومعهم الدول التي اكتوت بنار النظام الإيراني منذ عام 1979م يتعين عليها إدراك حقيقة أن هذا النظام غير قابل للتعايش لأنه بني على أساس نظرية الفسطاطين التي تقسم العالم إلى كفر وإسلام. فالنظام يزعم أنه يمثل المسلمين والمستضعفين في العالم، ولذلك فإن بقاءه وقوته إنما تعتمد على أن يكون حاضرًا في جلباب الثورة وليس الدولة وفي مواجهة الحضارة الغربية وليس معها، ولذلك فإن رفع شعار «الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل واللعنة على اليهود» ليس شعارًا لإلهاب مشاعر الغضب ضد أمريكا والحضارة الغربية فحسب، وإنما هو عقيدة يتوقف عليها بقاء النظام من عدمه. ولكن أين يقع 85 % من المسلمين (السنة) من هذه العقيدة، وهل هم ضمن فسطاط الخير الذي تمثله ولاية الفقيه أم ضده؟ المسلمون الذي يؤمنون بشرعية خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان هم كفار بالإجماع لأنهم خالفوا -وفق فهم الملالي نصًا قرآنيًا صريحًا بإمامة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. ولذلك فإن مخططات النظام تضع أنظمة الخليج والشام في فسطاط الكفر ولا فرق بينهم وبين يهود أو نصارى. والنتيجة العملية أن النظام لا يعترف أبدًا بسيادة تلك الدول ويقدم جيشه بأنه معني بالجهاد ضدها وتطبيق الحاكمية الإلهية في العالم.
أوربا ما زالت تتصرف بمنطق مختلف لا يقدر الخطر ولا يستشعره لحسابات ثقافية ومصلحية تكتيكية، ولم يستوعب ما وراء تدفق الآف المهاجرين من بلاد الشام الذين تسببت إيران ومليشياتها في تهجيرهم من ديارهم. كما أن إيران استثمرت منذ عقود في نخب فاسدة في المؤسسة السياسية الأوربية وفي مراكز الدراسات والإعلام. ومثال ذلك وزير خارجية بريطانيا الأسبق جاك سترو الذي يجيد جميع التراتيل الكهنوتية الإيرانية ويحفظ عن ظهر قلب أسماء الأئمة والملالي الذين تقوم عليهم عقيدة ولاية الفقيه. المنسيون في الحشد ضد النظام هم الشعب الإيراني الذي اختطفت ثورته، ويعيش معتقلا في قبضة قمعية لا مثيل لها، وفي بؤس شديد ومن يعارض النظام فهو عدو للإسلام تجب «إبادته». هؤلاء ضحايا كجيران إيران، ولا بد أن يكونوا في عين أية حملة للتخلص من الملالي. هزيمة النظام ليس بالضرورة عسكريًا، ولكن توفير الظروف المناسبة للداخل بتقليم أظافر النظام في الخارج كفيلة بكشفه وسقوطه.