د.عبد الرحمن الحبيب
كثيراً ما يقف المواطنون العاديون على خط المواجهة ضد الفساد، ويواجهون مطالب بالرشاوى لرؤية طبيب، والعثور على مكان بالمدرسة لأطفالهم، أو تقديم شكوى للشرطة. أما أولئك الذين أقل قدرة على دفع الرشوة فهم دائماً الذين يعانون أكثر من غيرهم.. لذا من المهم أن نسأل الناس العاديين كيف يواجهون الفساد في حياتهم اليومية.
هذا مقتطف من مقدمة تقرير لأكبر مسح في العالم يسأل المواطنين عن تجربتهم الشخصية المباشرة مع الفساد في حياتهم اليومية، ويظهر ما واجهه الناس، ثم يقترح ما يجب على البلدان أن تعمله لمحاربة الفساد.. نشرته منظمة الشفافية الدولية، وهي المنظمة العالمية لمكافحة الفساد. تغطي النتائج 119 بلداً وإقليماً حول العالم، بالاستناد على مقابلات مع أكثر من 162 ألف شخص، أجريت من مارس 2014 حتى يناير 2017م.
بإلقاء لمحة عامة على المسح فإنّ شخصاً واحداً من كل أربعة قال إنه دفع رشوة للوصول إلى الخدمات العامة خلال السنة الأخيرة. أسوأ الأقاليم كانت: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأمريكا اللاتينية.. وأقلها كانت أوربا. أما أسوأ الدول فكانت اليمن ثم: الهند، ليبيريا، المكسيك، فيتنام.. ومن الدول العربية بعد اليمن أتت: مصر، المغرب، السودان.. لذا ليس من المستغرب أنّ 57% ممن سئلوا قالوا إنّ أداء حكوماتهم كان سيئاً، بينما 30% منهم قالوا إنه جيد كمعدل على مستوى العالم.
عندما طُلب من الناس تحديد المؤسسات التي يشعرون بأنها الأكثر فساداً، جاءت الشرطة والمسؤولون المنتخبون في المرتبة الأولى كمعدل عالمي عام، حيث أفاد 36 في المائة من الناس بأنهم فاسدون بدرجة كبيرة، أكثر من أي مجموعة أو مؤسسة أخرى. بعد ذلك جاء بالمرتبة الوسطى المسؤولون الحكوميون والمدراء التنفيذيون للشركات. بالنسبة للفساد في القطاع العام كان الأسوأ في العالم: مولدافيا، اليمن، لبنان، ليبيريا، فنزولا.. بينما الأقل فساداً كانت: ألمانيا، سويسرا، السويد، أستراليا، هولندا..
أمام هذه النتائج السيئة فإنّ الخبر السار هو أنّ أكثر من نصف الذين سئلوا وافقوا على أنّ المواطنين يمكن أن يحدثوا فرقاً لمواجهة الفساد. هذه النتيجة الجيدة تؤكد أنّ على الحكومات أن تعمل جهودها المكثفة لإظهار التحسن في مكافحة الفساد وإقناع مواطنيها. ويخلص التقرير إلى أنه كي تكبح الحكومة الفساد ينبغي أن تركز على تقليص الفساد في القطاع العام وتواجه الرشوة في الخدمات العامة، ويكون للمحاسبة الدور الأساسي، لتنال ثقة المواطنين.
بعد صدور هذا التقرير، وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، أصدرت المنظمة الأسبوع الماضي عشرة مبادئ لمكافحة الفساد للشركات والمؤسسات المملوكة للدولة، كدليل إرشادي لمساعدتها لتنفيذ أفضل برامج مكافحة الفساد. هذا التركيز على المؤسسات المملوكة للدولة جاء لأنها تمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي للعديد من البلدان، ولا سيما البلدان النامية، وغالباً ما تكون أكبر رب عمل في البلد لتقديم خدمات حاسمة مثل الطاقة والمياه والنقل والرعاية الصحية. لكن هذه الشركات لديها مخاطر فساد أكثر من غيرها بسبب قربها من الحكومات والموظفين العموميين وحجم الأصول والخدمات التي تسيطر عليها؛ فبعض أكبر فضائح الفساد الأخيرة في العالم شملت شركات مملوكة للدولة.
تقول ديليا روبيو، رئيس منظمة الشفافية الدولية: «إنّ الطريقة الأكثر فعالية للشركات المملوكة للدولة لمكافحة الفساد هي من خلال الشفافية... إنّ هذا هو في صميم مبادئ الشركات المملوكة للدولة.. لكن لسوء الحظ، هذا لا يبدو دائماً هو الحال.» من أجل ذلك تم تطوير مبادئ الشركات المملوكة للدولة من خلال عمليات متعددة مع أصحاب المصلحة، حيث سعت منظمة الشفافية الدولية للحصول على المشورة والتوصيات من الشركات المملوكة للدولة نفسها، ومن الأكاديميين وخبراء الإدارة بجميع أنحاء العالم.
إذا انتقلنا للمبادئ العشرة فنجد أنّ المبادئ الثلاثة الأولى يتقدمها مبدأ أخلاقي، بأن يقوم مجلس إدارة الشركة المملوكة للدولة بدعم من جميع موظفيها بالعمل على أعلى مستوى من الأخلاق والنزاهة. يلي ذلك مبدأ ضمان أفضل الممارسات للحوكمة والرقابة على برنامج مكافحة الفساد، ثم مبدأ أن تكون الشركة مسؤولة أمام أصحاب المصلحة من خلال الشفافية والإبلاغ العام.
بعد ذلك يأتي المبدأ الرابع وهو دعم سياسات وإجراءات الموارد البشرية لبرنامج مكافحة الفساد؛ ثم مبدأ تصميم برنامج مكافحة الفساد على أساس تقييم شامل لمخاطر الفساد. بعد تصميم البرنامج يأتي مبدأ التنفيذ بتطبيق سياسات وإجراءات مفصلة لمواجهة مخاطر الفساد الرئيسية.
أما المبدأ السابع فيتشكل بإدارة العلاقات مع أطراف ثالثة مستقلة للتأكد من أنها تؤدي إلى معيار مكافحة الفساد. يليها مبدأ التواصل والتدريب لتضمين برنامج مكافحة الفساد في هذه الشركات. ويؤكد المبدأ التاسع على توفير مشورة آمنة وقابلة للنفاذ وقنوات إبلاغ عن المخالفات. وأخيراً، مبدأ رصد وتقييم تنفيذ برنامج مكافحة الفساد بشكل مستمر.
نخلص من ذلك أنّ أهم مبادئ مكافحة الفساد للشركات المملوكة للدولة، تتضمن توفر مدونة للسلوك الأخلاقي وإطاراً عملياً لمواجهة مخاطر الفساد، وأهمها الحوكمة والرقابة والشفافية والإبلاغ العام وتوفير المساءلة لأصحاب المصلحة النهائيين، وهم المواطنون.. فيمكن اعتبار المواطنين هم الخط الأول لمحاربة الفساد..