خالد بن حمد المالك
في مركز الملك عبد العزيز التاريخي بحي المربع في عاصمة المملكة الرياض هناك متحف وطني دائم، وإلى جواره في المكان ذاته معرض متنقّل عن روائع آثار المملكة، وبينهما علاقة رحم ومصاهرة وتجانس، فهنا وهناك التاريخ بعبقه وآثاره، وهنا وهناك التناغم في إطلاق هوية المملكة من خلال كنوز تحتفظ بها عن روائع آثار المملكة بعد أن تم اكتشافها أو تجميعها تحت سقف واحد، لتكون شاهداً على الحضارات المزدهرة التي مرت بها الجزيرة العربية.
* *
كنت في زيارة للمتحف الوطني بصالاته الثماني التي لم تستوعب على سعتها كل المقتنيات، فتم الاحتفاظ بأكثر مما هو معروض منها في مستودعات آمنة بانتظار التوسعة القادمة لزيادة عدد الصالات ليتم اطلاع الجمهور عليها، ومثلما زرت المتحف الوطني فقد زرت أولاً معرض روائع آثار المملكة الذي اقتطع جزءاً من صالات المتحف الوطني، ليقدم للجمهور بعض الروائع المثيرة عن آثار المملكة قبل أن يحين موعد رحيله إلى عدد من الدول الأجنبية، لإطلاع الجمهور هناك على ما خفي لديهم عن روائع آثارنا.
* *
المتحف والمعرض كلاهما تابعان - بحكم الاختصاص - للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وكلاهما في عين الأمير سلطان بن سلمان من حيث الاهتمام والرعاية والدعم غير المحدود، ما جعل من الآثار السعودية باكتشافاتها والتنقيب عنها، واستجلاب كثير مما كان ضمن أملاك الأفراد في الداخل والخارج، أحد أهم المنجزات الوطنية ذات الأهمية الكبرى التي تم تحقيقها في بضع سنوات محدودة.
* *
وما رأيته رأي العين، واستمعت إليه شرحاً وبالتفاصيل من المختصين عن كل جناح أو قطعة من الآثار المعروضة أبهجني، وأدخل السرور إلى نفسي، وأعطاني المزيد من الثقة على أن سوء الفهم الذي صاحب فيما مضى النظرة إلى قيمة القطع والأماكن الأثرية، قد أمكن لسلطان بن سلمان أن يغيِّر هذه النظرة، وأن ينجح في الاحتفاظ بما بقي من موجودات أثرية مهمة دون أن يمسها العبث، أو تصل إليها معاول الهدم والتخريب والإتلاف.
* *
لقد أعادت الاكتشافات الأثرية في السنوات الأخيرة - كما تقول إحدى المطويات عن معرض روائع آثار المملكة - صياغة فهمنا لتاريخ الجزيرة العربية، وأن هذه المقتنيات المعروضة عن طرق التجارة أفضل مثال على ذلك، فالنقوش الحجرية، والمجسمات الأثرية، والقطع البرونزية دقيقة الصنع - والكلام ليس لي - تسلِّط الضوء على تاريخ الجزيرة العربية السابق لظهور الإسلام في بداية القرن السابع الميلادي، كما تتألف الشواهد الأولى عن استيطان إنسان شبه الجزيرة العربية من خلال أدوات حجرية يعود تاريخها إلى 1.3 مليون سنة تقريباً، ويطلق علماء الآثار على هذه الفترة بالعصر الحجري القديم.
* *
والمملكة كما رأيت في المعرض والمتحف، تتنوّع فيها المواقع والآثار، فهنا مكة المكرمة والمدينة المنورة والعُلا والرياض والقصيم وجيزان وتيماء ونجران وتاروت والأحساء ونجران وحائل والجوف وغيرها مما تم ظهور اكتشافات مهمة فيها، وغيرها مما يجري العمل للتوصل إلى معرفة المزيد من المواقع الأثرية وما تختزنه من مقتنيات تتمثَّل في المجسمات والأدوات والقطع الأثرية، وكذلك في النقوش والكتابات التي تدلنا على حضاراتنا وتاريخنا.
* *
ضمن المعروضات في معرض روائع آثار المملكة، هناك تمثال لرأس رجل من البرونز المصهور، ونحت مُزيَّن بأسد، وتمثال يحمل جداراً، ومسلة بشرية الشكل، وشواهد قبور، وفي المتحف الوطني بسبب كثرة موجوداته، فإن الثماني صالات لم تستطع أن تستوعب كل ما تم اكتشافه والعثور عليه، بانتظار التوسعة وزيادة عدد الصالات، ومن ثم عرض الكثير من الكنوز الأثرية التي حال ضيق المساحة دون عرضها فتم تخزينها في مستودعات آمنة.
* *
تنظيم المعرض والمتحف، والكفاءات من الجنسين التي تدير العمل فيهما، وتردد الزائرين على شكل جماعات وأفراد، كلها تؤكد على أن المملكة أخذت الطريق الصحيح - وإن جاء ذلك متأخراً - للحفاظ على هذه الثروة التي لا تقدَّر بثمن. شكراً لسمو الأمير سلطان بن سلمان على دعوته لي، شكراً للأخوين مدير عام المتحف الوطني جمال عمر، ومدير العلاقات والإعلام بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني سعود المقبل، ولكل من كان بالمتحف والمعرض من المسؤولين والمسؤولات على حفاوة الاستقبال، وأدعو سمو الأمير أن تتوسع الهيئة في إبراز هذه المكتشفات إعلامياً، فالمملكة ملتقى الحضارات، وقبلة المسلمين، وفيها الحرمان الشريفان، وتستحق أن تكون آثارها، والمعلومات عن طرقها التجارية القديمة متاحة للجميع داخل المملكة وخارجها.