فهد بن جليد
عندما تهيمن المجالس وأماكن تقديم الطعام (المقلّط) على 40 % من مساحة منازل السعوديين، والتي يتم تشغيلها أو الاستفادة منها أيام قليلة في السنة - تُقدَّر عملياً بنحو 19 يوماً فقط في العام - فثمة خلل معماري يجب تعديله وتغييره والتصدي له، نتيجة مفاهيم اجتماعية خاطئة انتشرت في السبعينات والثمانينات والتسعينات, و لم تعد صالحة للحياة العصرية التي نعيشها اليوم، فالحقيقة المُرَّة التي أكد عليها المهندسون المعماريون مؤخراً في اجتماع شرفات الذي نظَّمته غرفة المنطقة الشرقية, أننا نعيش ثقافة تصاميم معمارية تقليدية قديمة توارثناها دون تعديل أو تكييف مع مُتطلبات الحياة الجديدة، فمنازلنا تعتمد على تلك المساحات الفارغة الجامدة، دون أن يكون هناك حضور لأفكار تطويرية جديدة لاستغلالها أو الاستفادة منها.
برأيي أنَّ أكبر الأخطاء التي نرتكبها أنَّنا نصمِّم ونبني منازلنا للآخرين - الضيوف والزوار - ولا نهتم باحتياجاتنا الحقيقية واليومية، فمنازلنا تبدو مُرَّحبة بالقادمين من الضيوف، وفي حقيقتها طاردة للساكنين، نضيِّق على أنفسنا وأولادنا في مساحات الغُرف وصالات الجلوس، ونقيم الجُدران الصادمة, بينما نحرص على أن تكون المُقدمة كبيرة وواسعة، والمداخل شرحة ومُريحة، والمجالس فسيحة وكبيرة، وهذا عنوان خاطئ، فلا مكتبات منزلية، ولا أماكن ترفيه أو غُرف ألعاب للأطفال، ولا غُرف رياضية وصحية تُساعد على ممارسات الرياضات الصحية ... إلخ، هذه المفاهيم التقليدية الخاطئة والضارة التي تعتمد على المظاهر والبهرجة والصورة النمطية القديمة يجب التخلّص منها، لصالح تكييف منازلنا لتفي بالغرض الحقيقي من إقامتها وإنشائها، وتكون عصرية ومناسبة للساكنين فيها بجد، ويكفيك هنا أن تنظر إلى منازل الأوروبيين والأمريكيين والآسيويين، لتعرف الفرق عندما تكفي مساحة صغيرة لإنشاء منزل لأسرة، بينما نحن نُهدر عشرات الأمتار التي تسببت بشكل أو آخر في أزمة الإسكان التي نعاني منها، وانعكست حتى على المقاولين وتجار العقار الذين يحاولون تقديم منازل ذات مساحات صغيرة، وتكفي لاحتياج الأسرة بسعر أقل.
الفُرصة مواتية لتغيير الثقافة السكنية لدى فئة الشباب وتخليصهم من تبعات عادات تربط نجاح الأسرة أو كرمها بوجود غرف استقبال أو مجالس واسعة لا يُستفاد منها إلا أياماً قليلة في السنة، فإذا ما أردنا إنجاح أي مشروع سكني أو مُحاولة تطويرية لحل أزمة السكن، فعلينا التخلّص أولاً من هذه الثقافات والعادات القديمة، وقبول تلك المنازل صغيرة المساحة التي تخدم الساكنين فقط، والتي لا تتعارض مع تمسك أهلها بالكرم والترحاب، بدعوة الزوار في المطاعم أو استئجار استراحات أو صالات لاستقبالهم وإقامة المناسبات فيها، أسوة بما يحدث في الأعراس التي خرجت من المنازل قديماً، للقاعات والقصور، حتى تبقى منازلنا لنا، وليست غرفاً خالية في انتظار قدوم ضيوف مُحتملين يوماً ما.
وعلى دروب الخير نلتقي.