د. خيرية السقاف
كفلاح يحرث أرضاً ولا بذور لديه..
وفتى يسأل مالاً ولا يعمل لجنيه..
وطامح في صيد وسُنَّارته في مستنقع..
وراغب في نوال لا يسعى في سبيله..
ومدَّعٍ علماً وهو جاهل..
وماشٍ في درب لا مآل له..
هو ذا حال الآباء في هذا الوقت
يركضون لتعليم أبنائهم في مدارس يختارونها بعناية, يبذلون لها المال والوقت, يخصصون لهم جهداً إضافياً لجعلهم في أحسن حال مظهراً, ولغة, يوفرون لهم الملبس الأنيق, والمركبة الجميلة, والأجهزة الحديثة, بل يسافرون بهم لمزيد دورات, وحضور مباريات, وشراكة نخب,
يريدونهم في العصر مواكبين بلغات مضافة, وثقافة وافرة, ووعي مُدرك, وسلوك قويم..
الآباء في الوقت الراهن وحدهم الشغوفون على أبنائهم, لكنهم يتفلّتون منهم مع موج كل نسمة تمر بمسامات جوارحهم, وأفكارهم, ووووو.. مما قلنا, ويقولون, ونعلم, ويعلمون..
إلا أمر دينهم عبادة, وطاعة, والتزاماً تلقائياً...
فالآباء يفرطون في هذا الوقت في الالتفات الجاد نحو سلوك أبنائهم في عباداتهم ..
فالأبناء لغالبية الآباء يجهلون أيسر المعلومات في دينهم, وكثير من الآباء أنفسهم يفرطون في عباداتهم, والغالبية لا يقرأون القرآن ولا يستمعون له إلا ما ندر..
والصلاة إن أُديت فعلى عجل, والسؤال وإن طرأ فالرجوع العاجل إلى «جوجل».. والصغار عند الصلاة يلهون دونما تذكير, ولا توجيه, ولا مهابة..
منذ شُغل كل فرد في حجرته عن صلاته بما لديه من متابعة ما تكع به شاشة صغيرة بين يديه..
هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة سطا على ما في سعة الرحابة, وصفاء الفضاء, ونقاء الدخيلة في النفوس, وهوَّن على الأفراد أمر عباداتهم, حين شغله بمعطياته الخليط , وجعل الوقت بهم يضيق عن عباداتهم الأهم.. ومنها تحديداً الصلاة, والدعاء, وتلاوة القرآن الكريم..
ما أخشاه أن يأتي على هؤلاء وقت يجدون أرضهم التي حرثوها -أبناءهم - جدباء لا نبات, ولا ثمر, لأنهم كالفلاح الذي أعدّ التربة, وهو لم تكن لديه بذور, ولا فسائل..
أو يجدون سنَّاراتهم وقد عادت إليهم بسقط الصيد, وطموحهم بخواء اليد, وذهبت بهم الطريق إلى متاهة لا عودة منها..
ففي الركض ليس أول أهمية من إتقان العبادة, بتوجيه الأبناء لأدائها, وتعويدهم الحرص عليها, وجعلها أول الزاد, لتكون خير الحصاد, خشية من الله, وطاعة له, فلا مفر من النهاية إليه..
إنه أمر بالغ الأهمية, والمسؤولية, ينبغي أن يتصدى له الجميع بلا استثناء, فهو الوقت هذا الذي يفرِّط فيها الأب قبل الابن, والأفراد قبل الجماعات, والأغلب عن القلة الذين يهابون يوم السؤال.