مها محمد الشريف
القدس جزء من ضمير الأمة الإسلامية، وعلاقة المسلمين بها علاقة إيمان وارتباط ديني عميق، وتاريخ حضاري مجيد، ومن يحاول انتزاعها من الوجدان الاسلامي يرتكب كارثة على العالم كله وليس المعتدي فقط، ومن هنا تأتي حساسية قضية القدس أكبر وأهم من القضية الفلسطينية وإلا كيف يمكننا فهم هذا الانفجار والغضب العام لمجرد هذا الإعلان.
تنادت الأمة واجتمعت للقدس وقالت في بيان واضح إن القرار الأميركي بشأن القدس، يعد كارثةً وخطأ فادحاً من الرئيس الأمريكي وإعلانا بانسحاب واشنطن من دورها كراع للسلام في الشرق الأوسط، بل هو إلغاء دور أمريكا كمرجع أخير، فقد كانت تلك التدابير جميعها لصالح إسرائيل، ولم يكن قرار ترامب ذكيا بما فيه الكفاية فلم يدرك أن هناك أشياء لا يمكن تجاوزها، حتى البلدان الغربية التي تحرص على اتزانها إزاء القرارات الدولية المجحفة بحق دول منطقة الشرق الأوسط، استنكرت القرار، وعبر بعضها عن استغرابه للقرار لتجنب الضلوع في انتهاك حقوق أمة مسلمة وحق شعب ووطن يسمى فلسطين تسرق منه عاصمته على الملأ. إنه ألم بشري شامل وعاصف تتعرض له الإنسانية والعدالة.
ومن غير المعقول أن يمنح نتانياهو بهذا القرار المجال ليدعو بكل صفاقة حلفاءه في أوروبا للانضمام للولايات المتحدة في اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، حتى وإن اعتبر وزراء خارجية الاتحاد الأوربي الخطوة ضربة لعملية السلام وقابلوا طلبه برفض قاطع، فإنه لا يخفف من التهور الأمريكي في هذا القرار.. ولست هنا بصدد التحليل فالأمر واضح والمجتمع الدولي مشوش ومشوب بفوضى الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية وصراعات الجماعات التي ستعقد المشهد إذا ما اقتنع الأوربيون بما يريده نتنياهو فصبوا مزيداً من الزيت على النار.
وبالعودة لاستقراء الوقائع نجد أن قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل قد يكون غطاء للجدل الأمريكي حول تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016.
ومن جانب آخر يكاد المتابع أن يجزم بأن المستفيد الأول من القرارات الارتجالية إسرائيل بالطبع فهذا يمنحها حزمة امتيازات، جعلتها تطمع في مساندة ما تبقى من دول أوروبا الشرقية مثل المجر وجمهورية التشيك وبولندا وسلوفاكيا، تلك الدول كانت تضع شروطا سياسية لعلاقتها مع إسرائيل مما كان يثير امتعاظ نتانياهو من الاتحاد الأوروبي ككل.
والمبدأ نفسه تستخدمه إسرائيل في تذمرها من إيران أيضا، و تدور في فلكها وتدخلاتها ومشاكلها لأنها تعتبرها مركزا لمجموعة هائلة تؤدي مهام نافعة لها وتثني على نتائجها و تتبع مسارا يحرك الأخبار والأنظار بعيدا عن محيطها، فالعالم يدور في فلك هاتين الدولتين.
بناء على قول رئيس الوزراء الإسرائيلي ، «إن إيران تبني مواقع لإنتاج صواريخ في سوريا ولبنان بهدف استخدامها لـ»محو إسرائيل»، واتهم إيران، في بداية اجتماع مع أنطونيو جوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة، بتحويل سوريا إلى «حصن عسكري في إطار هدفها المعلن وهو محو إسرائيل، وهذا أمر لا يمكن أن تقبله إسرائيل و الأمم المتحدة».
لو أن أولئك الذين يتظاهرون بأنهم خائفون ومتوجسون من مؤامرات طهران، لم يرتكبوا في حق الشعب الفلسطيني خطيئة الاحتلال، لوقف العالم حاجزا منيعا في وجه إيران. بيد أن الدولتين متبعة لنفس الخطط والطقوس، والضروب الخطيرة التي تتضاد مع استقرار المنطقة وأمنها.
إذاً، الضجيج يلبي رغبات إسرائيل وإيران، وإثارة الشغب وزعزعة أمن الدول والمشاحنات توحد أهدافهم التي تستهدف العرب.
وفي الحقيقة هي وسائل تجمع بين الأعداء لتصدير جهودهم القمعية إلى الدول العربية الآمنة ولكن مهما كانت استراتيجية أجهزتهم وأخطارها لن ينجح سعيهم فقد اتضحت ضغائنهم المستخدمة للجرائم، ولن يستحصلوا على حقوق مزعومة من القدس التي ستظل عاصمة فلسطين الأبدية، وأي نزاع سيكون جريمةً وسيواجه من اليوم فصاعدا إرادة دولية عربية وإسلامية ساخنة تعطل فعاليته. ولذا عقدت القمة استثنائيا بعد قرار ترامب بشأن القدس، واستعادت الأمة شيئاً من قرارها الجمعي المتراجع في الفترة الماضية... وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.