نوف بنت عبدالله الحسين
دائماً يُنظر للانفصال بأنه نهاية لأمر ما... ولا سبيل للعودة من جديد... فيؤخذ من الانفصال مأساوية وسلبية الحدث... بينما الانفصال هو أمر نحتاجه جميعاً ودوماً... نظراً لأن الالتصاق الدائم والتعلّق المبالغ قد يأتي بصورة مزعجة ومقيّدة لأي تحرّك أو تقدم... فللانفصال حسناته الجميلة... أن تنفصل عن عالمك المتراكم فترة من الزمن... لتعود له أقوى وأجمل... أن تبتعد قليلاً لتتفرّغ لشيء يريحك ويبعدك عن ضوضاء الحياة ومشقاته... أن تنفصل عن الأزمات لتستطيع مواجهتها بعد تسلّحك وتقوية دواخلك للتعامل معها.... كل ذلك من الحسنات التي تعيد لنا صياغة أنفسنا...
أحياناً نتعلّق بالمكان... أو بالأشخاص... أو بمهنة ما.... أو حتى الذكريات... فنصبح دون شعور أسرى لذلك... وتصبح خطواتنا محسوبة ضمن إطارها... فيصيح كل شيء يعلن الانفصال ومع ذلك نرفض الانصياع... وذلك ظلم للنفس وللشعور... وتقيّد بسلاسل التعلّق.... ولا نعتق أرواحنا من هذا التعلّق...
الانفصال ليس بالضرورة في مغادرة المكان دون رجوع... بل العكس تماماً...
قد ننفصل بتواجدنا... من خلال فاصل مريح... قد يكون مشاهدة فيلم... أو شرب فنجان قهوة.... أو تأمل لتسابيح الطيور وحركة الكون وتراكم الغيوم وتغير الطقس.... قد ننفصل من خلال نكتة نسمعها ونضحك فتبدد جو الرتابة... وقد نمارس هواية قديمة ابتعدنا عنها في زحمة الحياة... قد نفتش في خزاناتنا عن لباس نحبه ونستمتع فيه أثناء ارتدائه... وقد نخرج من روتين الحياة بسفر مفاجئ أو رحلة برّية لم يتم التخطيط له... أو حتى في فنجان شاي منعنش...
كم نحتاج إلى الانفصال... وكم يحتاج الانفصال أن يكون داعماً لنا في كل مراحل حياتنا... أن ننفصل قليلاً... لنعود أجمل.... وقد أحضرنا الهدايا ومحملين بالعطايا... سنكون هدايا جميلة لكل ما هو حولنا... وسنعطيهم أكثر... وسيكون أجمل ثمن أن انفصلنا حتى نعيد الجمال لموضعه...