«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
بدأت رؤية المملكة 2030 انطلاقاتها بواحد من أهم ثلاثة محاور مركزية وهو: «في وطننا وفرة من بدائل الطاقة المتجددة» وموضوع الطاقة يعد أحد أخطر محاور التنمية بالمملكة، سواء كمورد حالي (الإيرادات النفطية) هائل وكبير ومركزي في إيرادات الدولة أو كمورد معرض لنوعين من المخاطر، أولهما أنه مورد معرض للنضوب بعد فترة زمنية طالت أو نقصت، أما الأهم، فهو مورد معرض للتناقص بفعل تراجع الأسعار العالمية للنفط، وبالتالي فهو بقدر ما هو مصدر نمو للاقتصاد الوطني، فإن عدم التنويع بجانبه يعني مصدر تهديد لإيرادات حكومية قد تتقلص في أي وقت. والتنويع المعني بالطاقة هو ذو شكلين الأول تنويع اقتصادي شامل بالاهتمام بتنمية قطاعات وأنشطة أخرى غير نفطية، مثل الصناعة والزراعة والخدمات وغيرها، والثاني تنويع مصادر الطاقة نفسها، بحيث يتم الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، لأن النفط والغاز للمملكة ليس تصديرًا وإيرادًا فقط، وإنما هو أيضًا استهلاكًا للسوق الداخلي في التصنيع أو الاستهلاك للأهالي.
الدعم الحكومي للطاقة
القضية الأخرى الأهم للطاقة، هي الدعم الحكومي الذي قد يكون سببًا في إهدار مورد نادر نظرًا لانخفاض أسعاره. فأسعار البنزين المدعومة لفترات طويلة بالمملكة يتساءل البعض إلى أين كان يذهب هذا الدعم؟ «وحدة أبحاث الجزيرة» أعدت تقصيًا عميقًا في هذه الجزئية وتم التوصل إلى أن دعم أسعار البنزين بالمملكة كان يذهب بكثافة إلى موازنات دول أجنبية أخرى وهي الدول التي تستقبل تحويلات مواطنيها المقيمين بالمملكة. فبالرجوع لعام 2015 سنكتشف أن دعم المملكة لقطاع الطاقة كان يقدر بنحو 450 مليار ريال، منها فقط 168 مليار ريال للبنزين والديزل. وهنا لو افترضنا أن المملكة كان عدد سكانها30 مليون نسمة، منها 10 ملايين مقيم، فإن ثلث هذا الدعم كان يصب في موازنات دول أجنبية نظرًا لدعم مباشر كان يقدم لهم وكان يفترض أنه سيستقطع من رواتبهم، ولن يستنى لهم تحويل فائض هذه الرواتب متضمنًا دعم الطاقة.
لذلك، فإن تقليص الدعم في كافة أشكال الطاقة (بنزين وكهرباء وغاز وغيرهما)، معناه بالدرجة الأولى أن هذا الدعم سيتم فيه العزل بين دعم المواطن ودعم غيره. وحتى بين المواطنين، فإن هذا الدعم للبنزين تحديدًا، سيسهل وصوله إلى مستحقيه، بعض الأفراد يمتلك 10 سيارات، والبعض الآخر لا يمتلك سيارة، فهل يعقل أن تدعم الدولة هذا الذي يمتلك 10 سيارات ببنزين مدعوم على حساب طبقات أخرى أكثر فقرًا أو أقل غنى.
إزالة الدعم وترشيد الاستهلاك
من جانب آخر، فإن إزالة الدعم وبيع البنزين بسعره العالمي سيرشد استهلاكه، فعندما يعلم المستهلك أنه يدفع قيمة عالية للبنزين والكهرباء سيكون أكثر حرصًا في ترشيد استخدامه بالحد الضروري فقط، دونما إهدار. ولا يوجد عاقل سيؤيد أن تدفع الدولة سنويًا 400 إلى 500 مليار ريال دعمًا لمصادر الطاقة، وهو دعم سنوي وليس لمرة أو مرتين، هذا الدعم يمكن أن يكون منطقيًا أثناء فترات صعود أسعار النفط وبالتالي تحسن إيرادات الدولة، ولكن ليس من المضمون أن تظل أسعار النفط على الدوام مرتفعة. وللاحتياط ينبغي أن يعتاد السوق المحلي والمجتمع السعودي عمومًا على ترشيد استهلاكه للطاقة إلى حد الاستخدام الضروري فقط.
في المقابل، فإن هذا الدعم المستقطع من المواطن والوافد، سيصب في حساب المواطن الذي يستحقه فقط. فهو دعم يستقطع من الغني والفقير وأيضًا من المواطن والوافد، ويصب في حساب المواطن المستحق فقط. أي يستقطع من أربع فئات ويصب في حساب فئة واحدة. هذا ويعد إصلاح قطاع الطاقة يعد جزءًا أساسيًا من برنامج التحول الاقتصادي الطموح الذي أطلقته المملكة العام الماضي على عائدات النفط الذي يحد من اعتماد المملكة على عائدات النفط وينوع موادنا الاقتصادية.