قاسم حول
في الذكرى المئوية لوعد بلفور البريطاني الذي أطلق عام 1917 عرضت جامعة شيفيلد ببريطانيا، وفي الخامس والعشرين من شهر نوفمبر، في أمسية واحدة فيلمين الأول «الزمن الباقي» للمخرج الفلسطيني «إيليا سليمان» وفيلم «عائد إلى حيفا» للسينمائي العراقي قاسم حول.
شاهدت فيلم الزمن الباقي وذكرني بأول لقاء للسينمائيين العرب عام 1972 حيث تم تأسيس حركة «السينما العربية البديلة» كان تيار السينما العربية البديلة هو بديل عن السينما التجارية وسينما شباك التذاكر، إذ ينتمي إلى الشعوب في حريتها وليس في تسليتها المجردة. وكان ذلك التيار الذي لم تكتب له الديمومة بسبب الظروف الموضوعية للثقافة والسياسة، قد وضع الأسس الصحيحية الفكرية والجمالية لسينما جديدة ظهرت ملامحها في أمريكا وبريطانيا والبرازيل وغرب ألمانيا وفي مصر، لم يكن التيار يعنى بالإنتاج فقط، لكنه وضع اسس إقامة المهرجانات السينمائية التي لا تتخذ شكل البذخ الإستعراضي في نهجها، بل تتخذ من المهرجانات وسيلة للوصول إلى سينما جديدة وكانت أول تجربة حديثة في المهرجانات قد أقيمت في البرازيل. ثم تأسس في عام 1955 في مهرجان لا يبزغ للأفلام الوثائقية والقصيرة الذي توج شكل المهرجانات الفنية والفكرية الجمالية بأحسن صيغة نموذجية لمهرجانات السينما.
فيلم «الزمن الباقي» للسينمائي الفلسطيني «إيليا سليمان» ينتمي إلى هذه السينما البديلة، السينما التي لا تضع شباك التذاكر في حسابها. وقد يكون شباك التذاكر تحصيل حاصل وقد يحقق الفيلم البديل ما لا يستطيع الفيلم التجاري تحقيقه. إتسم فيلم «الزمن الباقي» وبشكله المتجدد بالوضوح الفكري والجمالي، وبكسر صيغة الفيلم السائد والمألوف فهو لم يعتمد الحدوتة التقليدية أساسا في البنية الدرامية للفيلم، بل تكاد تكون المشهدية وجمالية المشهد صيغة وهدفا أيضا حققت شكل البنية السينمائية المعاصرة .. هي حكاية ضمنية لما تبقى من مسيرة الزمن .. تعثر الفيلم في بعض مشاهده بأسلوبية غير موحدة إذ تعددت أساليب المشهد في بعض الأحيان. كما أن الشعور المألوف سينمائيا لدى المتلقي والذي هو أيضا تقليدي كان يقودنا نحو النهاية، فيما «الزمن المتبقي» أشعرني بأن الفيلم لا نهاية له وأنه سوف يستمر طويلا .. لكن هذه الملاحظات لا تقلل على الإطلاق من أهمية الفيلم سينمائيا ومن القيم الجمالية للفيلم والأداء الجميل للممثلين.
فيلم «الزمن الباقي» هو مسار سينما فلسطينية تنتمي إلى القياسية أو ما يطلق عليه مجازاً العالمية، سينما جديدة تجاوزت صيغة الفيلم العربي وأتسمت بالمعاصرة والقياسية في لغة التعبير السينمائي، ولكن هذه القياسية سخرت وكرست بالمعاصرة في التعبير عن الرؤى والأحلام الواعية لمبدع الفيلم.
في هذا المجال شعرت بأن المخرج ينتمي إلى ذلك الحلم البديل الذي تأسس في بداية السبعينات .. وشعرت بأن المخرج الذي تفتقده السينما العربية، هو الذي يتقن التمثيل أداء، يطمئن السينما بقدرته على قيادة الممثل إذ أن ما يقلق السينما العربية وما يؤرقها هو الممثل الجاهز الذي يعتمده مخرجو السينما العربية إذا أن مفردة التمثيل في الأفلام العربية متفاوتة القدرات ما يشكل خللا في لغة الفيلم، لأن الكثير من السينمائيين العرب ينشغلون في شكل الفيلم السينمائي وتقنيته تاركين الأداء للممثل الجاهز سيما وأن أغلب الممثلين العرب هم مما يطلق عليهم الممثل الجاهز وهم في ذات الوقت مسكونون بالنمطية التي رمتهم في شكلها المسلسلات التلفزيونية .. في فيلم «إيليا سليمان» شاهدنا معرفة كل ممثل لشخصيته وطبيعة أدائها مما شكل ذلك تماسك لغة التعبير السينمائية. وهذا يعود للمخرج والممثل «إيليا سليمان»
الأحداث السياسية المتفجرة في المنطقة العربية انعكست سلبا على الثقافة السينمائية والإنتاج السينمائي ولكنها في ذات الوقت فتحت آفاقا لسينما جديدة .. سينما ليست تجارية بالضرورة!