علي الصراف
تمر المملكة بمنعطف تاريخي كبير وضخم. وهو ليس منعطفا اقتصاديا فحسب، ولكنه منعطف استراتيجي وأمني واجتماعي أيضا.
هذه الحقيقة جلية تماما لمن يريد أن يراها. كما أنها سابقة على الكثير من الأحداث والقضايا والمشاغل. وهي تفرض النظر إليها بإمعان وتدقيق حساب.
الذين لا ينظرون إلى هذا المنعطف، طبيعته، ضغوطه، ومتطلباته، فإنهم لا يرون شيئا.
إنه منعطف قوة وتمكن، ولكنه منعطف تحديات جسام أيضا. ولو أن المملكة كسبتها، فنحن من سوف يكسبها أيضا. وحاجتنا إلى هذا البلد إنما تمكن في قوته، ونجاحه في مغالبة الصعاب والتعقيدات.
لم تستفد الأمة العربية والإسلامية، ولا أي من قضاياها، من حالة الضعف التي هيمنت على العديد من بلدانها لوقت طويل من الزمن. بل إن الكثير من التراجعات والانكسارات الخارجية كانت نتاجا مباشرا لتراجعات وانكسارات داخلية أصلا.
بالضعف والتمزق، خضنا حروبا شتى، فخسرناها. وكانت تلك واحدة من أكبر دلائل السطحية في السياسات العربية، التي خدعت نفسها، كما خدعت الناس، بالشعارات الزائفة والبطولات الوهمية.
لقد حان الوقت لبعضنا لكي يفهم، أنك إذا كنت ضعيفا، فلن تخدم أحدا، كما لن تخدم نفسك. وإنه إذا كانت «الوحدة العربية» بعيدة المنال، لأسباب شتى، فان قوة كل بلد أصبحت هي الأولوية الأكثر صوابا. لا يغني ذلك عن أطر التعاون والتضامن، إلا أن أحدا ليس بحاجة إلى أن يرفع سقوف التوقعات فوق غيوم الواقع.
ولقد حان الوقت لكي نفهم أن تدبير الموارد والإمكانيات ربما كان أهم تدبير من تدابير أي صراع إستراتيجي.
أنظر فيه، بإمعان قبل أن تطلق شعارات، بل وقبل أن تنغمر في «عنتريات» طاحنة.
يمكن للمرء أن يفهم لماذا تظل هناك مزايدات. إنها من طبيعة الكثير من السياسات التي طغت على جدول الأعمال العربي في القرن العشرين. ويمكن للمرء أن يُشفق على أهل تلك المزيدات لأنهم لا يدخلون «السوق» عندما يتعلق الأمر بما تقدمه السعودية من مساعدات ومعونات، في كل اتجاه تقريبا. لأنهم، بكل بساطة، يعرفون أنه ما من دولة عربية قدمت ما قدمته المملكة لدعم حكومات المنطقة وشعوبها ومشاريعها التنموية.
مع ذلك، فهناك من يجد متعة في المزايدة عليها، في سوقه الخاوي!
في بيئة المزايدات العربية والفلسطينية، كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يردد القول: «والله، ما منعت أحدا من الذهاب لتحرير فلسطين».
وما لم يلحظه المزايدون هو أنهم كانوا لا يفعلون شيئا، إلا المزيدة نفسها، وكأنها هدف بذاته.
متى يكون من حقنا أن نحتكم إلى العقل في تدبير الموارد والإمكانيات الإستراتيجية؟
ومتى يكون من حقنا أن ننظر فيها كشأن من الشؤون الخاصة، قبل أن تهبط على رؤوسنا المزايدات وأحكامها؟
بل، وربما كان هذا هو السؤال الأصعب، متى نفهم أنك إذا كنت صاحب حق، فاعمل له بما تصنعه من قوة على الأرض، لا بما تحلق فيه من أوهام؟
مؤسفٌ تماما أن هذا العالم يعمل على قاعدة أن «القوة هي التي تصنع الحق». مؤسفٌ أكثر أننا لا نستطيع العيش في عالم آخر.
فإذا كان ذلك كذلك، أفهل لا تعرف ماذا يجب أن تفعل؟