د. عبدالحق عزوزي
جمعت «قمة الكوكب الواحد» في باريس منذ أيام نحو ستين من قادة العالم ومئات الوزراء ورجال الأعمال والناشطين، في مسعى للمحافظة على اتفاق دولي هدفه التصدي لظاهرة الاحتباس الحراري. وتأتي هاته القمة بعد عامين بالضبط من توقيع اتفاق دولي لتجنب أسوأ سيناريو للاحتباس الحراري.
وكان حذر خبراء عشية انعقاد القمة من أن هدف الاتفاق المتمثل بإبقاء الاحتباس الحراري أقل من درجتين مئويتين سيظل حلمًا ما لم يتم استثمار تريليونات الدولارات في تكنولوجيا الطاقة النظيفة. ويعتبر تغير المناخ من أحد التحديات الرئيسة في عصرنا، حيث يضيف ضغطًا كبيرًا على مجتمعاتنا وعلى البيئة. فالآثار العالمية لتغير المناخ هي واسعة النطاق ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، من تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية.
وقد أدى قرن ونصف من التصنيع، بما في ذلك قطع الأشجار الظاهر في الغابات وأساليب معينة في الزراعة، إلى ارتفاع كميات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. وبينما تنمو الاقتصاديات ومستويات المعيشة للسكان، فإن مستوى تراكم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري (غازات الدفيئة) آخذة في الارتفاع أيضًا.
ولا غرو أن البشرية تتحمل بحرقها الكثيف للنفط والفحم والغاز الطبيعي مسؤولية الغازات السامة التي ترفع درجة حرارة الأرض وتسببت بارتفاع معدلات درجات الحرارة حول العالم بنحو درجة مئوية حتى الآن. ويحذر الخبراء أصحاب النظارات العلمية من أنه بالوتيرة الحالية لانبعاثات الغازات السامة، بات العالم في طريقه نحو ارتفاع من ثلاث درجات في المعدل، مما قد ينتج عنه عواصف مدمرة وارتفاع منسوب مياه البحار وفيضانات وجفاف..
وقال رئيس وزراء فيجي فرانك بانيماراما الذي ترأس محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ التي جرت في بون الشهر الماضي «فيما التحدي ضخم، علينا القيام بكل ما في وسعنا لمواجهته. ندرك أن ذلك يعني الفرق بين الحياة والموت بالنسبة لملايين الناس المعرضين للخطر حول العالم». وأضاف «هناك تريليونات الدولارات المخزنة في المؤسسات الاستثمارية الخاصة (...) علينا فك القفل عن هذا التمويل». وفي غياب أوباما، المدافع الأبرز عن قضايا المناخ الذي لعب دورًا أساسيًا في إبرام اتفاقية باريس، سيتولى المهمة رجال الأعمال والقادة الحكوميون على مستوى الولايات والمناطق، حيث مثلهم في باريس حاكم نيويورك مايكل بلومبرغ ومحافظ كاليفورنيا السابق والممثل الهوليودي المشهور أرنولد شوارزينيغر ومؤسس شركة مايكروسوفت بيل غايتس.
وقال شوارزنيغر في كلمة مؤثرة «لا يهم إن كان دونالد ترامب انسحب من اتفاقية باريس، لأن القطاعين الخاص والعام والجامعات لم يتخلوا عنها ولم يتخل أحد عنها».
ولعل أهم قرار واقعي هو الذي أعلن عنه البنك الدولي في القمة إِذ أكَّد أنه سيوقف تمويل مشروعات التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما اعتبارًا من.2019 وتجمع نحو 200 متظاهر في شوارع باريس مطالبين فرنسا بالتوقف عن دفع «أي يورو إضافي على طاقة الوقود الأحفوري». كما تعهدت المصارف والشركات الكبرى بالابتعاد عن الوقود الأحفوري المسبب لارتفاع حرارة الأرض. وأعلنت هذه المصارف والشركات تخصيص مليارات الدولارات لوقف العمل في مشروعات فحم ونفط وغاز في القمة التي هدفت لجمع الأموال.
وسبق أن تعهدت الدول الغنية عام 2009 بجمع 100 مليار دولار سنويًا كتمويل مرتبط بالمناخ مخصص للدول النامية اعتبارًا من عام 2020. وأفاد تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه بناء على اتجاهات عام 2015، سيبلغ إجمالي التمويل الحكومي نحو 27 مليار دولار بحلول هذا التاريخ. وتقدر وكالة الطاقة الدولية أنه سيكون هناك حاجة لاستثمارات تقدر بنحو 3.5 تريليون دولار كل عام في قطاع الطاقة حتى2050 لإبقاء الاحتباس الحراري تحت درجتين مئويتين، وهو ما يعادل ضعف الإنفاق الحالي.
هذا النوع من القمم ضروري لمستقبل البشرية ومستقبل الأجيال المقبلة، ولكن الذي أخافه هو أن نوع النظام الدولي الحالي ونوعية الفاعلين الجدد فيه لا يسهل إطلاقًا مسألتي الاستمرارية عندما تؤخذ القرارات (كما وقع بانسحاب أمريكا من الاتفاقية الدولية للمناخ) وأيضًا مسألة النية الحسنة، فكل من نتحدث معهم يبتسم لك في البداية قبل أن يبوح لك بسر مفاده أن النظام العالمي الحالي مبني على النفاق والخديعة والمصالح الآنية وهي في ازدياد مستمر، وهاته هي الحقيقة المرة..