سعود عبدالعزيز الجنيدل
يبذل مركز الملك عبدالله العالمي لخدمة اللغة العربية جهودًا كبيرة، بقيادة الأمين العام للمركز الدكتور عبدالله الوشمي، ومن تلك الجهود إقامة ملتقى «التخطيط والسياسات الإعلامية في الشأن اللغوي» الذي عقد في مدينة الرياض الثلاثاء 17-3-1439هـ.
طرح في اللقاء تساؤلات عدة عن واقع السياسات التي ينتهجها الإعلام بأنواعه المختلفة: المقروءة، والمسموعة، والمرئية. وهل هناك فعلاً سياسات إعلامية في الشأن اللغوي تستخدم في تلكم الوسائل الإعلامية؟ وما نصيب وسائل التواصل الاجتماعية منها؟
في الحقيقة لا توجد - كما أعتقد - سياسات إعلامية تعنى بالشأن اللغوي تتبعها المؤسسات الإعلامية، سواء أكانت رسمية أو غير رسمية، ومن باب أولى وسائل التواصل الاجتماعية.
ولمعالجة هذه القضية نحتاج إلى مدونات، ومدونات، ولا تكفي بطبيعة الحال معالجة هذه القضية في هذا المقال المحدود كماً، ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.
الأمر الأول الذي نحتاجه هو الوقوف مع اللغويين أنفسهم، فاللغات بشكل عام تتبع نظامًا معينًا في تراكيبها، وصياغتها...إلخ، وهناك مسائل خلافية بين اللغويين ذاتهم، بدءًا من العصور الأولى، ونذكر على سبيل المثال هنا، المسألة «الزنبورية» التي وقعت بين سيبيويه والكسائي، وكذلك قصة الفرزدق مع ابن أبي إسحاق الحضرمي، حين سأله، لِمَ رفعتَ «فعولان» في قولك»:
وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
فقال الفرزدق: هكذا أُنشد، قال ابن أبي إسحاق: ما كان عليك لو قلتَ: فعولين! فقال الفرزدق: لو شئت أن تسبح لسبحت. ونهض فلم يعرف أحد في المجلس ما أراد بقوله: لو شئت أن تسبح لسبحت!
وما تزال الخلافات موجودة في عصرنا الحاضر، فعلى سبيل المثال لا الحصر، التراشقات التي حصلت بين أهل اللغة حول مقولة أحدهم» ست تغييرات»، والمقالات التي نزلت تباعًا كلٌ يحاول إثبات وجهة نظره!
يجب الاتفاق على أن هذه الخلافات مكانها أروقة الجامعات، والمؤتمرات العلمية، والمحاضرات التخصصية، وليس الإعلام العام الذي يوجَّه لعامة الناس، وليس لطبقة الأكاديميين والمثقفين وحدهم.
وهناك عتب كبير على المجامع اللغوية، فالتوصيات التي يخرج بها المجمع تظل حبيسة القاعات المغلقة، والتوصيات المدونة التي لا يكاد يطلع عليها سوى المتخصصين، وبالتالي تفقد فائدتها، واستفادة الناس منها، وأذكر على سبيل المثال الاختلاف في صحة استخدام كلمة « رئيسية»، إذ بحثت كثيرًا حتى عثرت على توصية المجمع اللغوي، جاء فيها «تسويغ هذا الاستعمال، بشرط أن يكون المنسوب إليه أمرًا من شأنه أن يندرج تحته أفراد متعددة». ومع ذلك تجد غير المتخصصين ما يزال يخطّئ هذه الكلمة بناء على معلومة سابقة لديه، ولم يطلع على ما ذكره المجمع اللغوي.
فنحتاج من المجمع اللغوي إيجاد وسائل للتواصل مع الإعلام، وتزويده بما يراه من توصيات لغوية حول استخدام كلمات أو أساليب معينة. وأذكر في هذا السياق، أنني بحثت عن الفرق بين قولنا:
«الأسبوع المقبل أو الأسبوع القادم»، وهل هناك فرق بين القولين، أم أنهما بمعنى واحد، ومما وصلني أنهما بمعنى واحد، وأيضًا وصلني أن قولنا الأسبوع المقبل يعني القريب جدًا، أما الأسبوع القادم فهو الآتي ولكنه بعيد، فنقول العام بعد القادم ولا نقول بعد المقبل.
هذه التحليلات - حقيقة - لا أقطع بصحتها، وكنت آمل لو أن هناك قناة تواصل مع المجامع اللغوية حتى يتسنى لنا معرفة القول الفصل في مثل هذه الكلمات.
ختامًا أقول إن اللغة التي تُستخدم في الإعلام يجب أن تكون لغة بسيطة «بيضاء»، مفهومة عند عامة الناس، ولا تنزل لدرجة الكلام العامي، ولا يهم أبدًا الخلافات اللغوية في الإعلام، فالخلافات اللغوية هي أكاديمية صرفة مجالها ليس الإعلام العام قطعًا.
في المقال القادم سأناقش علاقة الإعلامي مع اللغة...