عماد المديفر
يوماً بعد يوم يضيق الخناق على ميليشيات الحوثيين الإرهابية أكثر فأكثر، فبعد أن كانت تسيطر على ثلاثة أرباع اليمن؛ لم تعد تسيطر إلا على بقعة يمنية صغيرة، يسومون فيها أهلها سوء العذاب، يُذَبِّحون أو يسجنون ويعذبون أبناءها، ويهينون نساءها، بل ووصل الأمر إلى الاعتداء عليهن وقتلهن بالشوارع -كما حدث مؤخراً في ميدان السبعين في صنعاء- خلا عن تجويع الناس وسلبهم، وابتزاز التجار، ورفع الأسعار، وسلب المساعدات الإنسانية والإغاثية، وبيعها في السوق السوداء، أو توزيعها على مرتزقتهم وحواشيهم.
هذه البقعة اليمنية الصغيرة المظلمة، والمخضبة بلون القهر والضيم والغدر والدماء، أضحت تتمركز في مثلث ما بين معقل تلك العصابات في صعدة، وصولاً إلى صنعاء، وانتهاء بميناء الحديدة، والذين بدأوا بفقدان هيمنتهم عليهم شيئاً فشيئاً، إذ تتوالى الأخبار من هناك عن انهيارات كبيرة في صفوفهم، وتقدم سريع لقوات الشرعية والمقاومة الشعبية، مسنودة بثورة مدنية داخلية، ودعم واسناد لقوات التحالف العربي.
تضييق الخناق هذا، انعكس بوضوح على سلوك تلك الميليشيات على الأرض، وهم الذين جرى تدريبهم على أعلى درجات «التقية» الخمينية.. بيد أنهم كلما شعروا بقرب سقوط مشروعهم الخبيث، بأيدي أبناء الشعب اليمني على اختلاف أطيافه وتنوع خلفياته، وبدعمٍ ومساندةٍ من أشقائه في التحالف العربي لدعم الشرعية، كلما ازدادوا وحشية وإرهاباً، وكلما كشروا عن أنيابهم وكشفوا عن حقيقة وجههم الإجرامي البشع أمام أبناء الشعب العربي اليمني، واقتربوا أكثر فأكثر لفضح حقيقتهم الداعشية، ولتترسخ قناعة اليمنيين قبل غيرهم، بأن هذه العصابة الإجرامية لا ينفع معها إلا الاستئصال الكامل، لها ولمخططها الخطير الذي تقف خلفه عمائم الشر والظلام في طهران.. إذ لا حوارات، ولا تفاهمات مع الإرهابيين والقتلة والمجرمين.
وللحق، فما كان لهذه الميليشيات الإجرامية أن تصل لما وصلت إليه، و»تتعنتر» في وجه الجمهورية اليمنية، ثم تنقلب عليها عسكرياً؛ لولا أن فتح لها حزب الإصلاح الإخواني الواسع الانتشار، والمتغلغل في مفاصل الدولة اليمنية-وهو شريك معها على كل حال - والرئيس السابق «علي عبدالله صالح» ومن بقي معه من قيادات حزب المؤتمر، باب الشراكة، والتعاون، وكلٌ منهم يضمر الغدر بالآخر (صالح والحوثيون) متى ما انقضت المصلحة الوقتية، فكان تحالفا باطلا مبنيا على باطل. «علي عبدالله صالح» رحمه الله، أو «الزعيم» كما يحلوا لمناصريه ومحبيه أن ينادوه، مُلام بأنه قد وفر للانقلاب المسلح لعصابات الحوثيين غطاءً لدخول صنعاء دون مقاومة تُذكر، لاسيما حين وجه أتباعه ومناصريه في الجيش ومن أفراد الحرس الجمهوري وقوات الأمن بعدم الانصياع لأوامر الشرعية، وعدم مواجهة الحوثيين الذين نعتهم بـ»أنصار الله»، بل ودعى أتباعه ومناصريه في القوات المسلحة اليمنية، والقوى الأمنية، وقواعده الحكومية في حزب المؤتمر إلى ما أسماه بـ»التوأمة» مع الحوثيين، ودمجهم معهم! -وإن كان علي عبدالله صالح قد نفى ذلك-، إلا أن هذا الأمر لم يشفع له عندهم، إذ كانوا يخططون ويرسمون ويعملون لليوم الذي يتخلصون فيه منه، مرددين بأنهم «سيتغدون فيه قبل أن يتعشى فيهم»!.
لست هنا بمعرض الحديث عن أخطاء الرئيس المغدور علي عبدالله صالح، والذي قُتل فعلاً نتيجة وقوفه أخيراً في وجه التمدد والاحتلال الإيراني لليمن عبر عصاباتها الحوثية، وأسأل الله أن يتقبله من الشهداء، لتوبته وندمه في آخر أيامه.. غير أنه لابد من مراجعة تلك الأخطاء كي لا تتكرر ونستمر في دفع الأثمان الغالية بعد فوات الآوان كما حدث مع الرئيس اليمني السابق، الذي حين شعر بمقدار الكارثة، وشاهدها بعينه، متحسساً رقبته؛ أراد أن يصحح الوضع، لكن بعد أن «فاته القطار» هنا فعلاً هذه المرة، وأصبحت الميليشيات تطوق حتى منزله، وما إن أعلن صحوته، إلا وتم قتله بكل وحشية وإجرام من هذه الميليشيات التي فُتحت لها أبواب صنعاء، وقد كان من قبل قد تهاون بالقضاء عليها في حروبه الستة معها، وقبل ذلك تساهل في وقف عملها المنظم والممنهج على نشر دعوتها البدعية التكفيرية بين أبناء الشعب اليمني، وتجييش وتجنيد الأتباع، بل وساهم في تضييق الخناق على من كان في دماج من دعاة ومصلحين نجحوا عملياً إذ ذاك، فكرياً ودعوياً، في مواجهة أفكار الحوثي الضالة، وتوعية الناس بخطرهم، وكشف تواصل هذه العصابات مع طهران، حتى قال حكيمهم إن صنعاء سقطت، حين نجحت عصابات الحوثيين في السيطرة على دماج.
هذه الأخطاء المتكررة، وهذا التساهل، والتعاطي غير السليم مع الحوثيين طيلة عقود، جعلهم في المحصلة أقوى من صالح..وهو الذي يعد أكثر الرموز اليمنية شعبية ومناصرين.. وهو الذي حكم اليمن 33 عاماً.. وهو المحاط بقوات خاصة، وحرس جمهوري بناه واعتنى به وسلحه بنفسه، وهو ابن أكبر قبائل طوق صنعاء.. إلا أنه حين جد الجد.. تقاطر ما يربو على السبعة آلاف مجرم من عناصر ميليشيات الحوثي الإرهابية كالجرذان القذرة، بأمر سيدهم الإرهابي العميل عبدالملك الحوثي، قادمين من تمركزاتهم داخل صنعاء نفسها، ومن صعدة وعمران.. مدججين بالأسلحة المتوسطة والثقيلة، بما في ذلك الدبابات والعربات المعدلة بمدافع رشاشة.. فلم تُحرك قبائل طوق صنعاء ساكناً، ولم يستجب حلفاء صالح لخطابه الأخير الذي كان بمثابة نداءٍ للنجدة والنصرة.. كشف فيه الحقيقة التي ظل صالح ومن معه من المؤتمرين يكابر عنها، وهي أن ميليشيات الحوثي عبارة عن عصابات إرهابية دينية طائفية دموية، تقتل وتنهب وتدمر، وتعمل لصالح الأجندة الإيرانية.
نرجو أن لا تتكرر أخطاء الرئيس السابق، سواء من قبل من تبقى من قيادات المؤتمر الشعبي العام داخل ذلك المثلث، أو من قبل القبائل والوجهاء اليمنيين، تماماً كما ينبغي أن لا نكرر نحن أخطاء صالح بالاعتقاد بأنه من الممكن لحزب الإصلاح مثلاً أن يساعد الشرعية والتحالف للقضاء على ميليشات الحوثيين وتحرير صنعاء أو تعز.. والوضع في تعز خير شاهد على ذلك.. فهي أكبر مدينة يمنية من حيث السكان، وتأثير حزب الإصلاح فيها طاغ، ومع ذلك لا تزال الأوضاع فيها مثار تساؤلات كبيرة.
حزب الإصلاح حزب إسلام سياسي كما الحوثيين، ولهم تحالفاتهم مع الحوثيين وطهران، ويأتمرون بأمر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، بل هم فرعه في اليمن.. وزعيمهم الروحي يوسف القرضاوي القابع في الدوحة، والتي هي ذاتها تسهم في تمويل الحوثيين وتدعمهم ضد الشرعية اليمنية وقوات التحالف.. وهي ذاتها التي دفعت الأموال الطائلة والرشى لعودة صالح إلى معسكر الحوثيين، وهي ذاتها من رشحت عنها أنباء القبض على أحد ضباطها وهو يرشي قيادات مؤتمرية لإقناعها للعودة للتحالف مع الحوثيين.. ومن سيكرر ذات الأخطاء سيحصد حتماً ذات النتائج! إلى اللقاء.