أ.د.عثمان بن صالح العامر
كثر الحديث هذه الأيام عن بيع علماء ومثقفين وأكاديميين وكتاب أو ورثاتهم من بعدهم لمكتباتهم الخاصة بثمن بخس دراهم معدودة، مع عظم قيمتها المادية في الأصل، والمعنوية لديه ولدى أمثاله من محبي الكتاب وطلبة العلم، ولكن فرق في الواقع بين القيمة الحقيقة للشيء وثمنه الذي يحدده في الأساس العرض والطلب، هذا إذا افترضنا أن هناك من يرغب في الشراء ولديه متسع في منزله لتسكين مكتبة خاصة له، وهذا حسب ما أسمع وأعرف قليل جدًا في بيوت الطبقة المتوسطة فضلاً عن الفقيرة، ولذا لا يكون أمام من أفنى عمره في جمع الكتب من كل مكان يتنقل بين عواصم الدول العربية لشراء كل جديد ومفيد إلا التبرع بها وإهدائها لمكتبة عامة أو جامعية على الأقل ليجعل من الغرفة المخصصة لها في بيته متنفسًا ومتسعًا لمتطلبات أخرى جدت أو لها الأولوية عند زوجته وأولاده، أو أن الكتب زادت على المساحة المخصصة لها فصارت متراكمة على الأدراج أو محفوظة في الكراتين، والاستفادة منها محدودة جدًا في ظل وجود المكتبات الإلكترونية التي سهلت الوصول للكتاب وطباعته والاستفادة الكاملة منه حين الحاجة له.
إن الخطوة الأولى أمام عشاق الكتاب الترشيد الاقتصادي الفعلي حين الشراء والتفكير جيدًا بكيفية الاحتفاظ بها في حيزك المكاني الحالي والمستقبلي، خاصة أن من المجزوم به أنه لا وجود في الغالب لمكتبة ذات تصميم خاص في البيت السعودي، فهي تشغل غرفة من غرف المنزل.
ومن الحلول الممكنة أيضًا نشر ثقافة الإعارة للكتب النادرة بين المهتمين والمتخصصين، والاستفادة من المكتبات العامة والجامعية التي تعاني أشد ما تكون المعاناة من قلة الزوار والمرتادين قياسًا بعدد السكان وطبقة المثقفين، والدخول على المكتبات الإلكترونية والاشتراك فيها، فهي مفيدة جدًا، وفيها كم ضخم من الكتب العامة والرسائل المتميزة والأبحاث العلمية المتخصصة في جميع الفنون وكل المعارف والعلوم.
نعم، أعلم أهمية وجود المكتبة العائلية في كل بيت، ولكن تكون مكتبة بسيطة وتتوافق مع احتياجات الكل وتلبي رغبات الجميع، وإلا صارت مع الزمن مجرد ديكور إضافي أهم شيء فيه جمالية الصف والاتساق.
إنني أتكلم عن أمر حادث وواقع معيش ويعاني منه شريحة عريضة من عشاق الكتاب ومحبيه، لكن الكثير منهم ساكت على مضض، واليوم أو غدًا سيبحثون عن السوق لجلب ما لديهم من كنز دفين، حينها لن يكون لهم ما يتمنون.
لا يفهم من هذا أنني ضد اقتناء الكتاب، بالعكس أنا مع الاقتناء المدروس والمقنن حتى تستطيع التوازن ولا يأتي اليوم الذي تزهد بما لديك، فالمكتبة تحتاج باختصار إلى حيّز مكاني واسع كما هو معلوم وهذا يصعب توافره في منازلنا المستقبلية. دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.