فهد بن جليد
ببساطة وهدوء وبعيداً عن الضجة المتوقعة، ولِدت السينما في السعودية من جديد، رغم أنَّ هذه الولادة في شكلها الظاهر كانت مُتعسِّرة واحتاجت لسنوات طويلة -إن لم تكن لثلاثة عقود- من الشد والجذب بين القبول والرفض المجتمعي، إلا أنَّ خروجها على المشهد من جديد بقرار تنفيذي لاقى قبولاً وترحيباً واسعاً من مُختلف شرائح المجتمع خلاف ما كان يصوِّره الرافضون سابقاً، يدل دلالة أكيدة على أنَّ المجتمع وصل مرحلة متقدمة من النضج والرقي ليقبل بالتغير الإيجابي في مفاهيمه، ويتخلص شيئاً فشيئاً من ترسبات الماضي -التي نعتز بكل فصولها المرحلية التي عشناها وعايشناها- كجزء وتاريخ لا يمكن فصله عن واقعنا الجديد الذي نبحث عنه ونتطلع له، وفق الضوابط الشرعية والمعايير الهادفة، التي سنبقى محافظين عليها, بما لا يتعارض مع ديننا وقيمنا، من خلال الرقابة الأخلاقية التي تعهد بها المشرِّع والمنظم لقطاع السينما السعودية في الأماكن العامة (الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع) التي أكدَّت أنَّ التصريح لافتتاح دور سينمائية سيكون وفق معايير السياسة الإعلامية للمملكة، وبما يتوافق مع القيم والثوابت المرعية، بما يتضمن تقديم محتوى مثرٍ وهادف لا يتعارض مع الأحكام الشرعية ولا يخل بالاعتبارات الأخلاقية للمملكة.
ما حدث خطوة إصلاحية جديدة حققت الحُلم، فبعد تسعين يوماً -مدة وضع الضوابط لمنح التراخيص- لن تحتاج الأسر السعودية للسفر إلى الدول الخليجية القريبة من أجل دخول قاعة وحضور فيلم سينمائي، كثقافة ترفيهية بشرية من حق كل إنسان الاستمتاع بها في الوقت الذي يختاره والمكان الذي يرغبه، عندما كُنّا مصدراً لدخل بعض تلك الدول فنحن اللاعب الرئيس والرقم الصعب فيها وفق دراسات اقتصادية، وأرقام محاسبية معلنة، لأنَّ الأسرة السعودية كانت الجمهور الأكبر الباحث عن هذا النوع من الترفيه البريء والمشغل له، لم يعد التخوّف مقبولاً ولا مبرراً، فالأفلام السينمائية بمعناها الحقيقي وكل تفاصيلها المتنوعة متوافرة بين أيدينا في هواتفنا الذكية، وعلى بعد أمتار قليلة من أبصارنا في الفضائيات داخل المنازل والمقاهي والمكاتب، ما كُنَّا بحاجة له محلياً هو تشريع وتنظيم يضبط المشاهدة الجماعية في قاعة وخلف شاشة عملاقة، وهو ما حدث بكل بساطة، كما كان الأمر في بلادنا في سبعينيات القرن الماضي.
بعيداً عن المكتسبات الاقتصادية لصناعة الأفلام، والعوائد المادية المتوقعة بعد السماح بافتتاح دور سينمائية داخل المملكة، وفرص العمل المنتظرة للشباب والشابات وغيرها ممَّا يسوقه المختصون في هذا القطاع كتعبير ثقافي عن الهوية السعودية، يكفينا أنَّنا كسبنا أنفسنا في هذه الجوّلة لننهي عقوداً طويلة من حالة الجدل، عندما كان البعض يرفض السماح بالمشاهدة الجماعية الاختيارية ويُصوِّرها (كغول) رغم أنَّها تتم عادة تحت عين الرقيب وبمشاركة وضبط الأسرة، بينما نقرّ ونعلم ونسمح بالمشاهدة الفردية المنزوية.
وعلى دروب الخير نلتقي.