د. أحمد الفراج
يظن كثيرون أنّ المرشح الأمريكي للرئاسة يختار النائب، الذي يتوافق معه في التوجهات الأيدولوجية، وهذا صحيح، ولكنه غير دقيق، فأحيانا يخضع اختيار نائب الرئيس لمعايير أخرى، ذات طبيعة براقماتية انتخابية بحتة، مثل أن يكون السياسي محافظاً، فيختاره المرشح للرئاسة نائباً له، بغرض كسب أصوات التيار المحافظ، فالرئيس الأشهر، جون كينيدي، الكاثيلوكي الليبرالي من أصول إيرلندية، والذي ينتمي للشمال الأمريكي، اختار السياسي الجنوبي التكساسي البروتستاني، ليندون جانسون، نائباً له، لأجل كسب أصوات الجنوب الزراعي المحافظ، وكذا فعل الرئيس بوش الأب، الذي اختار سياسياً مغموراً يسمّى دون كويل نائباً له، لأنّ كويل ينتمي للتيار المسيحي المتشدد، وبوش كان يحتاج أصوات هذا التيار المتدين، ومن هنا نتفهم اختيار الرئيس ترمب لحاكم ولاية انديانا، مايك بنس، ليكون نائباً له.
الرئيس ترمب، وخلال حملته الرئاسية، استخدم استراتيجية عبقرية، رسمها له المحافظ العنصري، ستيف بانون، وأوصلته للرئاسة، وكان عمادها المراهنة على غضب شرائح من الشعب الأمريكي من المؤسسة الرسمية، واستعدادها للمراهنة على أي سياسي مختلف، ولأنّ ترمب ليس متديناً محافظاً، ولحرصه على إرضاء الإنجيليين المسيحيين (قاعدته الشعبية حالياً )، فقد اختار الواعظ الإنجيلي السابق، مايك بنس، نائباً له، وبالتالي ضمن أصوات المسيحيين الإنجيليين، أو ما يمكن أن يطلق عليهم الصحويون الأمريكيون، ولعلكم لاحظتم أن ترمب حرص على أن يكون نائبه مايك بنس خلفه، أثناء اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكانت الرسالة واضحة، أي أنه أراد أن يحقق أحد أهم وعوده لهذا التيار الصحوي الضخم، والمؤثر، الذي يحتاجه الآن، ويحتاجه لإعادة الانتخاب في 2020!.
الرئيس ترمب رجل أعمال براقماتي، وسياسي غير محترف، وتهمه مصلحته الشخصية بالدرجة الأولى، ولا يعني اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل أنه مغرم بها، كما لا يعني أنه يكره الفلسطينيين، فكل ما يهمه هو حشد الإنجيليين المسيحيين خلفه، وهم كتلة انتخابية ضخمة، لا يستطيع أي مرشح رئاسي تجاهلها، ولعلكم تتساءلون عن أهمية اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل بالنسبة لهؤلاء المسيحيين المتطرفين، والجواب قد يكون صاعقاً لكم، فالتطرف ليس حصراً على ديانة واحدة، فهؤلاء الإنجيليون (الصحويون) يؤمنون إيماناً خالصاً بأنّ المسيح عليه السلام لن ينزل إلى الأرض إلا بعد أن يحقق اليهود كل أحلامهم، ومن ضمنها قيام إسرائيل الكبرى، التي عاصمتها القدس، وهم ينتظرون هذه اللحظة التاريخية منذ سنوات طويلة جداً، والخلاصة هي أنّ ترمب يرغب في البقاء رئيساً، ويرغب في أن يعاد انتخابه، وقاعدته الشعبية الأكبر هي الإنجيليين المسيحيين، الذين سيصوتون له في حال حقق وعوده لهم، وكان أهم وعوده لهم هو الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فالأمر بالنسبة للمسيحيين المتطرفين يعتبر أمراً دينياً عقدياً، أما بالنسبة للبراقماتي ترمب، فهو استراتيجية سياسية (انتخابية) لا أكثر!، فلا تحملوا الأمر أكثر مما يحتمل!.