مها محمد الشريف
صوّر شكسبير بشكل رائع سهولة انخداع العامة في مسرحية «يوليوس قيصر» حيث تناوب الخطيبان بروتوس وأنطونيوس على تجييش مشاعر العامة لصالحه رغم أن أولهما قاتل قيصر والثاني صديقه المنادي بالثأر له، هل السياسة تنطوي على المكر والخداع، وتتعارض كليا مع منطق الأخلاق.؟
هذا ما يقوم به الإعلام الصهيوني وجزيرة قطر بتجييش الشعوب العربية على بعضها، وإشغالها عن الإجراء الأمريكي الذي يفتقر لأي منطق، وفي إطار هذا التصور تختفي غاية العمل السياسي والمجال الأوسع للممكن، ونشاهد تبعات للأحداث السياسية الأخيرة وغضب الحكومات والشعوب الإسلامية والعربية من مكر وخذلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقضايا الدولية.
ورغم أن الدولة العظمى تعلن العنف والانقسام، فإنها لا تستطيع مع ذلك مواجهة نواتج الفوضى والظلم واستباق المخاطر والتصدي لها والخصومة التي أثمرت عن معاقبة المحتل الذي ينتزع الممتلكات والخصوصية دون وجه حق بالقوة، ولا تستطيع الدولة حمايته وحماية مصالحه. لذا فإن فلسفة الحوار والتسامح أوشكت أن تنتهي؛ وباتت الشعوب من حيث المبدأ محاسبة صانعي القرار في العالم، بعد أن شاهد العالم الجذور العميقة بين رؤساء أمريكا والحائط المبكي، واستخدمت واشنطن الفيتو عشرات المرات لمصلحة إسرائيل..؟، أضف إلى ذلك الدعم الكبير المالي والعسكري والسياسي لإسرائيل.
لقد كان اليابانيون أكثر الناس تسامحاً، فقد تعايشت اثنتا عشرة ديانة بأمان في إمبراطوريتهم، وقد جاء الآباء اليسوعيون ليضيفوا إليها ديانة جديدة، هي الديانة الثالثة عشرة .. بيد أن هؤلاء سرعان ماجهروا برفض بقية الأديان، فتسببوا في نشوب حرب أهلية لا تقل بشاعة عن تلك التي فجرتها الرابطة الكاثوليكية؛ فعم الدمار والخراب؛ ومحق الدين المسيحي تماما من الوجود في حمام دم مروع، وقد أغلق اليابانيون إمبراطوريتهم في وجه بقية العالم. إشارة إلى القصة الواردة في النص ندرك من خلالها أن التسامح يتيح الفرص للتعايش بسلام، ولكن عندما تقتحم المقدسات وتنتهك الحقوق والكرامة لن يكون هناك امتثال وخضوع، ولن تفهم السياسة فهما صحيحا ومبررا، و التناقضات التي قدمها ترامب للمسلمات والبراهين تعترض مسار السلام، كأبشع ما فعله في مسيرته السياسية، أثارت هذه الأجواء الناس وخاصة بعد التركيبة الجديدة التي فرضها على فلسطين والدول العربية والإسلامية فهي أشبه ما تكون بالنهوض من قيود وهمية لتعطيل قوانين العدالة والحقوق الدولية. وقد بدت ردود الأفعال اليوم في العالم المعاصر، لا ترجح الأمر كما كان في الماضي، لأن المساحة اليوم لا تتسع إلى تركيبة جديدة انفعالية يزج بها ترامب أو نتينياهو في ضوء وعود مقابل أشياء لا نعلمها، فالتاريخ لا يدفن ولا يبتر، فقد تغير العالم ووقف المجتمع الدولي ضد هذا الوعد بما فيها كوريا الشمالية التي قال زعيمها كيم جونغ أون : «لا توجد دولة اسمها إسرائيل ..حتى تصبح القدس عاصمة لها».