«الجزيرة» - سعد العجيبان:
افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- أمس الأربعاء أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى، وذلك بمقر المجلس في الرياض. ولدى وصول خادم الحرمين الشريفين كان في استقباله -أيده الله- صاحب السمو الملكي الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز آل سعود المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين وصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الرياض وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، وسماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، ومعالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ، وكبار المسؤولين في مجلس الشورى ورؤساء اللجان.
وفور وصول خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله - عُزف السلام الملكي. وبعد أن أخذ خادم الحرمين الشريفين مكانه بالمنصة الرئيسة بدئ الحفل الخطابي بتلاوة آيات من القرآن الكريم.
ثم ألقى معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ كلمة رحب فيها بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع وأصحاب السمو الأمراء وأصحاب السماحة والفضيلة وأصحاب المعالي في افتتاح عام جديد من دورة المجلس السابعة، في مسيرة مباركة بدأت منذ ما يزيد عن تسعة عقود على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - حين أرسى منهج الشورى وجعله إحدى ركائز الحكم في هذه البلاد العزيزة، وتواصلت هذه المسيرة آخذة بالتطور والتحديث في آلياتها وأساليب عملها، وفق تطلعات القيادة الحكيمة التي تسعى لتحقيق التقدم للوطن والمواطن. وقال معاليه: إن العالم من حولنا يتابع إنجازاتكم المتتالية بكل تقدير واحترام، وها هو شعب المملكة الوفي يشعر بالاعتزاز إزاء مسيرة التنمية التي تتصاعد يوماً بعد يوم، بفضل الله تعالى ثم بفضل الخطط الحكيمة التي تقودونها، والأوامر والقرارات الموفقة التي تصدرونها، وفي طليعتها اختيار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولياً للعهد، وهو صاحب الرؤى النيرة والأفكار الطموحة ومن ذلك رؤية (2030) الرامية إلى غدٍ أكثر إشراقاً لهذا الوطن الغالي تحت قيادتكم الحكيمة وتوجيهاتكم الرشيدة. وأضاف: خادم الحرمين الشريفين تشهد هذه البلاد المباركة - بتوجيهاتكم الكريمة - تصاعداً في وتيرة التقدم والنماء، ولقد أفرحتم المواطنين منذ الوهلة الأولى بحزمة من المشاريع التنموية الرائدة، فهذا مشروع الفيصلية الذي يضم كثيراً من الخدمات التي تهم المواطن من مرافق حكومية إضافة إلى مطار خاص، وميناء بحري، وكذلك مشروع البحر الأحمر الذي يعتبر تجربة فريدة، ووجهة سياحية جديدة، يفتح أمام الراغبين في السياحة مستقبلاً مبشراً وسعيداً، وكذلك المشاريع التي تتوخى الاستجابة لرغبات المواطن، حيث تم الإعلان عن مدينة ثقافية رياضية بمنطقة (القدية) جنوب غرب الرياض، تضم كثيراً من مناطق الجذب السياحي التي ستوفر البديل وتوجه السياحة داخلياً مما يقلل من معدلات الصرف على السياحة الخارجية، وتعزز فرص تشغيل الشباب السعودي الذي هو الروح المستقبلية للوطن. ومضى معالي رئيس مجلس الشورى يقول: لقد كان من أبرز معالم رؤية 2030 بما تحمله من التطلعات الطموحة والخطط المستقبية الواعدة إعلان مشروع المدينة المستقبلية «نيوم» الذي يعد جزءًا من المشاريع التي ستأخذ بالمملكة إلى الريادة في هذا المجال. وبين أن المسلمين سروا في هذه البلاد الطاهرة وسائر البقاع بما بادرتم به من إنشاء مجمع لخدمة الحديث النبوي الشريف يكون مقره المدينة المنورة في طيبة الطيبة دار الإيمان، ومأرز الإسلام، ومثوى خير الأنام، وهذه المبادرة الجليلة تضيف لبنة جديدة في هذا البناء المبارك الذي تتابع ولاة الأمر في هذه البلاد على رعايته وتطويره، ألا وهو الحفاظ على الدين القويم، والسنة النبوية الطاهرة. وقال الشيخ الدكتور عبد الله آل الشيخ: كان أمركم الكريم - الذي صدر مؤخراً - بإنشاء لجنة عليا برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد لحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة بقضايا الفساد العام تعزيرًا لمنهج الإصلاح الذي تسيرون عليه بحزم وعزم. وتابع معاليه يقول: خادم الحرمين الشريفين ضمن مساعي مقامكم الكريم لتنمية العلاقات الدولية للمملكة قمتم - رعاكم الله - بجولة آسيوية شملت كلاً من الصين واليابان وماليزيا وإندونيسيا وبروناي دار السلام، وقد أكدت هذه الجولة على الدور المتنامي للمملكة على الصعيد الدولي في شتى المجالات وأبرزت مقدار الثقل السياسي والاقتصادي الذي تحظى به المملكة، وتحقق خلالها العديد من النجاحات والنتائج، كما قمتم - وفقكم الله - بزيارة المملكة الأردنية الهاشمية والمشاركة في القمة العربية التي عقدت هناك، كما أن زيارتكم التاريخية لجمهورية روسيا الاتحادية قد أعطت بعدًا جديدًا في العلاقات بين المملكة وروسيا، وأسهمت في الدفع بها نحو شراكات إستراتيجية لتحقيق ما فيه مصلحة البلدين. وأضاف معاليه: خادم الحرمين الشريفين اسمحوا لي أن أقدم نبذة مختصرة عن أهم ما تم إنجازه في السنة الماضية وهي السنة الأولى من الدورة السابعة للمجلس: فقد عقد مجلس الشورى (ستاً وستين) جلسة، كان نتاجها (أكثر من مئتي قرار), وذلك على النحو الآتي: (ستة وعشرون) قراراً تتعلق بالأنظمة واللوائح. (سبعة وستون) قراراً تتعلق بالتقارير السنوية. (ستة وتسعون) قراراً تتعلق بالاتفاقيات والمعاهدات ومذكرات التفاهم. ودرس المجلس كثيراً من الأنظمة واللوائح والمقترحات. وبين معالي رئيس مجلس الشورى أن المجلس دأب في دراساته ومناقشاته وأثناء جلساته على دعوة بعض الوزراء والمسؤولين المعنيين بالموضوع محل الدراسة والمناقشة للاتيضاح عن أداء الوزارات والأجهزة الحكومية وجهودها وخدماتها، وما لديها من برامج وخطط، إضافة إلى ذلك فقد واصل المجلس توسيع قنوات التواصل مع المجتمع، من خلال عقد اللقاءات المباشرة مع المواطنين، كما تم تخصيص رابط على موقع المجلس على شبكة الإنترنت لتلقي عرائض المواطنين التي تحظى باهتمام كبير من قبل المجلس ولجانه. وأوضح معاليه أن دور المجالس البرلمانية في مساندة الجهود السياسية لأي دولة أصبح دوراً محورياً، وباتت الدبلوماسية البرلمانية عنصراً فاعلاً في مجال تعزيز علاقات الدول والتواصل بين الشعوب، وقد أولى مجلس الشورى بتوجيهكم ودعمكم - رعاكم الله - هذا الجانب اهتماماً خاصاً ، وذلك من خلال ثلاثة محاور: الأول: المشاركة في المؤتمرات البرلمانية الدولية والإقليمية. الثاني: الزيارات الرسمية التي يقوم بها المسؤولون والأعضاء ولجان الصداقة البرلمانية في المجلس لنظرائهم في المجالس البرلمانية الخارجية. الثالث: الزيارات التي يقوم بها الرؤساء والأعضاء ولجان الصداقة في برلمانات الدول الشقيقة والصديقة للمملكة.
وقال الشيخ آل الشيخ: خادم الحرمين الشريفين ندرك أن الآمال والتطلعات كبيرة، ونحن في مجلس الشورى ماضونَ بعون الله ثم بدعمكم واهتمامكم نحو الرقي بالأداء الذي يلبي طموحاتكم ويحقق ما ينشده مواطنو هذه البلاد وما يؤملونه من هذا المجلس, وأوكد هنا لمقامكم الكريم أن المجلس سيضاعف جهوده نحو تنفيذ رؤيتكم وتحقيق آمالكم في خدمة هذا الشعب والارتقاء بهذا الوطن العزيز, واسمحوا لي من هذا المنبر أن أقدم الشكر لزملائي في المجلس على جهودهم وتفانيهم واستشعارهم روح المسؤولية، وعملهم الدؤوب الذي يتسم بروح الفريق الواحد.
واختتم معالي رئيس مجلس الشورى كلمته قائلاً: أجدها فرصة لأجدد الشكر لمقامكم الكريم ولسمو ولي العهد الأمين على ما يلقاه مجلس الشورى من دعم واهتمام وتأييد، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم عليكم وعلى هذه البلاد المباركة وشعبها فضله وكرمه, وأن يحقق ما يصبو إليه الجميع من آمال وتطلعات. إثر ذلك ألقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الخطاب الملكي السنوي فيما يلي نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. يسعدني أن أفتتح اليوم أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى، سائلاً الله عز وجل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يأخذ بأيدينا إلى ما فيه خير البلاد والعباد، مقدراً للمجلس جهوده وأعماله، ومتمنياً لكم التوفيق. لقد قامت المملكة منذ أن أسسها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - على تطبيق شرع الله، والالتزام بالعقيدة الإسلامية، وعلى العدل في جميع الأمور، والأخذ بمبدأ الشورى. ونحمد الله على نعمه التامة، ونشكره على ما وفقنا إليه من شرف خدمة بيته الحرام، ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، وضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزوار.
أيها الإخوة والأخوات: لما تحمله رؤية المملكة 2030 من خطط وبرامج تنموية تستهدف إعداد المملكة للمستقبل الواعد - بإذن الله - وتحقيقاً لأهداف الرؤية تم إعادة هيكلة بعض الأجهزة الحكومية، واتخاذ عدد من القرارات لخدمة مصلحة المجتمع، وتعزيز أمن الوطن ومكافحة الفساد، وزيادة مشاركة المواطنين والمواطنات في التنمية الوطنية. ونحن نثمن دور القطاع الخاص شريكاً مهماً في التنمية ودعمه الاقتصاد الوطني، والتوسع في توظيف شباب الوطن وشاباته، وتوطين التقنية، وسنستمر - بمشيئة الله - في تمكين القطاع الخاص وتحفيزه بما يحقق المزيد من النمو والتنمية. ولقد وجهت الوزراء والمسؤولين لتسهيل الإجراءات وتوفير مزيد من الخدمات بجودة عالية للمواطنين والمواطنات والتوسع في عدد من البرامج التي تمس حاجات المواطنين الرئيسة ومن أهمها برنامج الإسكان.
أيها الإخوة والأخوات: إن الفساد بكل أنواعه وأشكاله آفة خطيرة تقوض المجتمعات وتحول دون نهضتها وتنميتها، وقد عزمنا بحول الله وقوته على مواجهته بعدل وحزم لتنعم بلادنا بإذن الله بالنهضة والتنمية التي يرجوها كل مواطن، وفي هذا السياق جاء أمرنا بتشكيل لجنة عليا لقضايا الفساد العام برئاسة سمو ولي العهد ونحمد الله أن هؤلاء قلة قليلة. وما بدر منهم لا ينال من نزاهة مواطني هذه البلاد الطاهرة الشرفاء من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال والموظفين والعاملين على كافة المستويات وفي مختلف مواقع المسؤولية في القطاعين العام والخاص، وكذلك المقيمين بها من عاملين ومستثمرين الذين نعتز ونفخر بهم ونشد على أيديهم ونتمنى لهم التوفيق.
أيها الإخوة والأخوات: تسعى بلادكم إلى تطوير حاضرها وبناء مستقبلها والمضي قدماً على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر بما لا يتعارض مع ثوابتها متمسكين بالوسطية سبيلاً والاعتدال نهجاً كما أمرنا الله بذلك معتزين بقيمنا وثوابتنا. ورسالتنا للجميع أنه لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لتحقيق أهدافه، وسنحاسب كل من يتجاوز ذلك فنحن إن شاء الله حماة الدين وقد شرفنا الله بخدمة الإسلام والمسلمين ونسأله سبحانه السداد والتوفيق.
أيها الإخوة والأخوات: للمملكة دور مؤثر في المنظمات الإقليمية والدولية، وتحظى بتقدير إقليمي وعالمي مكنها من عقد قمم تاريخية في توقيتها ومقرراتها، شارك فيها عدد كبير من قادة الدول الشقيقة والصديقة، وأسست لعمل مشترك يستهدف تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. وقد واصلت المملكة دورها الريادي الفاعل في التصدي لظاهرة الإرهاب وتجفيف منابعه. ودعت المملكة إلى الحل السياسي للخروج من أزمات المنطقة وحل قضاياها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وفي هذه المناسبة أؤكد استنكار المملكة وأسفها الشديد للقرار الأمريكي بشأن القدس لما يمثله من انحياز كبير ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس التي كفلتها القرارات الدولية ذات الصلة، وحظيت باعتراف وتأييد المجتمع الدولي. ومن جانب آخر فإن المملكة تعمل مع حلفائها لمواجهة نزعة التدخل في شؤون الدول الداخلية وتأجيج الفتن الطائفية وزعزعة الأمن والاستقرار الإقليميين. وتسعى إلى ترسيخ قيم التسامح والتعايش، وتعمل على رفع المعاناة عن الشعوب.