د.علي القرني
مهما حدث بين الرئيس الأمريكي وبين رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو بخصوص صفقة القدس، فستظل القدس مثلها مثل أي مدينة فلسطينية تحتاج إلى تحرير من براثن الكيان الإسرائيلي. ومن الواضح ان صفقة القدس جاءت ضمن محاولة من الرئيس الأمريكي ترامب لخطف الأضواء ودخول التاريخ، وليس لقناعته بأهمية القدس لإسرائيل الدولة، او لقناعته بأن القدس هي حق تاريخي لليهود. ولهذا فإن القدس ستظل في رأس قائمة المطالب للعرب والمسلمين في أن تظل عربية إسلامية فلسطينية.
من المعروف عن الرئيس ترامب أنه من عاشقي الأضواء والشهرة والسباحة ضد التيار، وقد رأى أن كل الرؤساء السابقين له لم يعترفوا بالقدس عاصمة لإسرائيل وبالتالي نقل سفارتهم إلى القدس منذ تشريعات الكونجرس في منتصف التسعينيات، ولهذا وجدها فرصة مواتية له أن يقفز فوق المتوقع، ويواجه الخيال السياسي ليصبح سيدا للإعلام وشخصية للكلام. واذا كان الرئيس الأمريكي ترامب يشاهد التلفزيون يوميا لأربع ساعات، ليرى اسمه وصوره على شاشات التلفزة، فقد وجد أن مثل هذا الموضوع سيعطيه هذا التوهج الإعلامي والزخم الفضائي الدولي. وهذا ما تحقق له منذ توليه الرئاسة الأمريكية.
ولا شك أن نسبة كبيرة من المسيحيين المتشددين قد دعموا ترامب في حملته الانتخابية وهم من يرى أن انضواء القدس تحت مظلة دولة يهودية هو نبوءة وحقيقة تاريخية تقترب بالعالم من يوم القيامة كما تشير إلى ذلك أناجيلهم المحرفة. وقد استطاع ترامب بأن يدغدغ مشاعرهم بهذا القرار، ناهيه عن اليهود الذين يقفون وراء استصدار مثل هذا القرار بحكم نفوذهم في الولايات المتحدة وخاصة في أروقة المؤسسات السياسية والاقتصادية. وترامب بقراره أن ينقل سفارته إلى القدس خلال الثلاث سنوات القادمة، فهو يراهن على أن يواكب تنفيذ القرار خلال فترة ترشيحه لإعادة الانتخاب، مما يجعل كل جهود اليهود في أنحاء أمريكا ومن خلال المؤسسات النافذة تدعم ترشحه لاستكمال تنفيذ قراره. وهذا توجه لم يكن غائبا عن ترامب وهو يفكر في اتخاذ مثل هذا القرار.
قرار القدس عاصمة لإسرائيل هو قرار أمريكي إسرائيلي، أو لنقل قرار بطلاه ترامب ونتنياهو. وكل منهما يعاني من أزمات داخلية وخارجية، حيث وجدا أن مثل هذا القرار سيؤدي إلى دعم معنوي لهما أمام الرأي العام المحلي في بلديهما. ولهذا فإن السياسات الداخلية الأمريكية والإسرائلية هي التي فرضت وجود هذا القرار وخلال هذا التوقيت بالذات.
ولا شك أن ترامب بمثل هذا القرار أصبح جزءا من المشكلة، بدلا من أن يكون جزءا من الحل، وهذا من شأنه أن يقوض أي جهود لعمليات سلام في المنطقة بين الإسرائليين والفلسطينيين، وأصبح هذا القرار هو منفر للفلسطينيين في أن يدخلوا في أي جهود تفاوضية مع الإسرائيليين خلال المرحلة القادمة. وهذا هو مطلب إسرائيلي واضح في أن يحمل الفلسطينيون مسؤولية الانسحاب من مفاوضات السلام مع إسرائيل. وبالفعل نجح نتنياهو في هذا المسعى حيث بدأت تصريحاته تشير إلى أسفه من عدم رغبة الفلسطينيين في الدخول في مفاوضات سلام مع إسرائيل.
والحقيقة الثابتة أن إسرائيل لن ترضخ الا للقوة، وما أخذ بالقوة لن يعود إلا بالقوة، والسلطة الفلسطينية لديها قوة داخل فلسطين هو الشعب الفلسطيني سواء كانوا فلسطينيي الضفة وغزة أو فلسطينيي 48 الموجودين داخل الكيان الإسرائيلي. وإذا استطاع الفلسطينيون أن ينتفضوا ضد الكيان الإسرائيلي انتفاضة حقيقية ومستمرة فسيفرضون شروطهم على الكيان الإسرائيلي، أما إذا تهاوت انتفاضتهم فإن الكيان الإسرائيلي سيبتلع القدس ومعها مدن وأراض فلسطينية أخرى، حتى لو كانت مدعومة بقرارات مجلس الأمن.