عبدالعزيز السماري
من السهل أن نتحدث عن مشاريع السلام مع دولة إسرائيل المحتلة للأراضي العربية، وأن نعلن براءتنا من الإرهاب والتطرف، وأن نردد في المحافل الدولية أننا حمام سلام، بينما الأراضي تتم مصادرتها يوماً بعد يوم، والسكان الفلسطينيون يتعرضون لأعنف وأشرس وأطول هجمة احتلال في التاريخ الحديث..
بينما الواقع يقول إنه من المستحيل أن نصل إلى اتفاق سلام معهم، فقد فشلت مختلف مشاريع السلام بسبب رفض المحتل الاستجابة للمطالب المقدمة، كان آخرها مشروع الملك عبدالله للسلام، وقد تبنّته الدول العربية، ولم تستجب له دولة الاحتلال.
أثبتت التجارب التاريخية أنّ دولة إسرائيل لا تريد مشروع سلام، ولكنها تبحث عن حالة اللا سلام واللا حرب، وذلك من أجل إكمال أطماعها في الأراضي العربية، بينما يعيش العرب في حالة أقرب للحروب الأهلية، وقد تمتد إلى عقود قبل أن نصل إلى حالة الاستقرار السياسي والسيادي مثل بقية دول العالم.
من أهم أسباب الفشل ما يحدث من انفصال وعداء وانقسام بين الفصائل الفلسطينية، وهي حالة تصب في مصلحة المحتل الصهيوني، وإذا لم يتخلص أهل الأرض من انشقاقاتهم السياسية، وأدلجة القضية العادلة من أجل مصالح سياسية خارجية أو مصالح شخصية، فلن يشكلوا ضغطاً سياسياً على الأرض ضد المحتل.
كان حل الدولتين من أسباب الفشل في الوصول إلى طريق السلام، وذلك لأنّ المنتصر والمتحالف من الولايات المتحدة الأمريكية لن يقبل بحل بدون أن يكمل مشروعه التوراتي، وأن يضم الأراضي التي يعتقد أنها هبة الله لأحفاد اليهود الأوائل، في رواية أشبه بالأساطير، أو الخزعبلات التي تعتبر العامل الحقيقي في نشوء التطرف في الجانب العربي.
الحل الذي يجب أن يتوحد عليه العرب هو نفس حل دولة جنوب إفريقيا، حل الدولة الموحّدة على كامل أرض دولة فلسطين، وأن تخرج منها دولة ديموقراطية، ويحكمها دستور شامل وضامن لحقوق السكان بغضِّ النظر عن هوياتهم السابقة، وقد نجح نيلسون مانديلا ورفقاؤه في فرض الدولة المدنية الموحّدة.
يعتبر حل الدولتين تكريساً للطائفية والعنصرية، وهو ما تحاول دولة إسرائيل تعميمه على الدول المجاورة، وهو أيضاً سبب رئيسي لانتشار ظاهرة التطرف الديني، ويدعو إلى استمرار العداء الديني القديم، بينما حل الدولة المدنية الموحدة يتوافق مع الخطاب العالمي لحقوق الإنسان.
حل الدولة الموحدة هو الحل الذي يجب الترويج له عالمياً، واستخدام المحافل الدولية لتأييده وفرضه، فيه الحل النموذجي الأمثل ضد فكرة الدول الدينية، فإسرائيل في تكوينها الحالي دولة دينية متطرفة، وقامت على حق توراتي لمختلف يهود العالم في الهجرة إلى الأرض العربية، بينما الدولة المدنية الموحدة ستتعامل مع ماهو قائم على الأرض، وعلى إرجاع حقوق الذين انتهكت أو سرقت ممتلكاتهم من قِبل المهاجرين الجدد.
حق العودة ليهود العالم قام على أساطير دينية، وهو ضد مختلف قوانين حقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة، وفي تكريسه أو تأييده دعوة مفتوحة عبر الماضي والحاضر والمستقبل للتطرف والعنف في أن لا يفارق المنطقة، وهل تعتقد واشنطن وبقية حلفاء دولة إسرائيل أنّ فرض الأفكار التوراتية لن تكون له ردة فعل متطرفة من السكان الأصليين.
إذا كان الغرب وحلفاء دولة إسرائيل يؤمنون بأنهم ممثلون للمدنية والقانون الدولي العصري، وأنّ حكم الكهنوت مضى إلى غير رجعة، فعليهم أن لا يقفوا من دولة تقوم على أساطير دينية، على أن يتوافق الحل مع مبادئهم العصرية، فالدولة المدنية الموحدة على أراضي فلسطين مثلما كان في جنوب أفريقيا، هي الحل الأمثل والمتفق مع فلسفة الدولة الحالية في الغرب الحديث.