د. فوزية البكر
تلعب التشريعات والسياسات الخاصة بالمرأة في مسائل الأحوال الشخصية دورًا كبيرًا في قدرتها على العيش بسلام وأمان لها ولأسرتها وأولادها، حيث تتعلق هذه التشريعات بقضايا تمس حياة كل امرأة في هذا الوطن مثل قضايا الطلاق والولاية والخلع والعضل والنفقة.. الخ من قضايا الأحوال الشخصية التي لا تنتهي.
ولعل من أقوى الأمور الداعمة للمرأة في مجال الأحوال الشخصية هي النصوص العديدة الواردة في النظام الأساسي للحكم التي تؤكد على الحق المتساوي لكل من المرأة والرجل على حد سواء في الحقوق والواجبات، كما تؤكد على حرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لهم لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.
ورغم أن الطلاق في حد ذاته أمر مكروه ومذموم وهو أبغض الحلال إلى الله، إلا أنه واقع ضروري لعلاج بعض حالات التفكك الأسري التي لا مناص منها، لكن المدهش أن غالبية النساء لا تعرف من أين تبدأ إذا ما ابتليت بالطلاق كما لا تعرف الإجراءات ولا التنظيمات الخاصة به التي للأسف يعمل غالبها ضد المرأة التي تفقد كل شيء: بيتها وأولادها وكل ما صرفت عليه من أثاث أو إعمار في بيت الزوجية، بحيث يعود كل ذلك إلى ملكية الرجل لعدم وجود قوانين ضابطة في ذلك مثل باقي دول العالم التي يكون للمرأة بعد عدد معين من السنوات عاشتها مع الرجل (خمس أو عشر سنوات أو أكثر) حق يكفل لها تقسيم الملكية بين الزوجين مع ضمان عدم الخروج من بيت الزوجية فتبقى هي وأطفالها في منزل الأسرة مما يحتم علينا في ظل الرؤية الجديدة التي تحتضن بلادنا ويقودها خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، والتي تؤكد على حق المساواة والرعاية لكل مواطن، رجلاً كان أو امرأة بما يحتم بالضرورة إعادة النظر في الآليات المنظمة لأحوال المرأة في قضايا الطلاق بما يحفظ حقوقها ويحمي الأبناء خاصة الإناث منهم.
كذلك تثير قضايا النفقة الكثير من الجدل وتشهد تعنتًا غير مبرر من قبل الرجال المطلقين ومن بعض القضاة، حيث يترك تقدير مقدار النفقة للقاضي، مما يجعل تقديرها قائماً على رؤية القاضي الحياتية أو تجربته وهو ما يوجد التفاوت الكبير أحياناً في التقدير بين قاضٍ وآخر، الأمر الذي يتطلب وضع آلية تقديرية نسبية يلتزم بها القضاة كافة عند تقدير النفقة.
كما تثير قضايا الحضانة قلقًا عارمًا بين الأمهات المطلقات اللاتي يفقدن كل شيء: البيت والأولاد إذ تستند الإجراءات المعمول بها حاليًا على التفسير الذي يقضي بأن الولد يخير عند سبع سنوات، فيما تنتزع البنت إلى بيت والدها، رغم أن الأصل في الحضانة أن تكون للأم باعتبارها الوالدة والحاضنة والمربية مالم يوجد استثناء لذلك، إما لعدم أهليتها أو لرفض زوجها الثاني إذا ما تزوجت حضانة الأبناء، لكن ما يجري اليوم هو تعريض خطير لأهم مكونات العائلة وهم الأطفال وخاصة الفتيات لأخطار محدقة، تتمثل في غياب الأم عن رعايتهم المباشرة وخطر تعرضهم للإيذاء النفسي واللفظي والجسدي، بل وربما غير ذلك من أطراف عديدة متى ما غابت عين الأم الساهرة عدا الدمار الذي يطال زهرات المستقبل بسبب طلاق الوالدين والحرمان من أحدهما.
وفي قضايا العضل التي يمتنع فيها الأب أو الولي عن تزويج الفتاة، كما سمعنا في قصص كثيرة شهيرة دارت بها الصحف المحلية، تجد المرأة نفسها في حرج كبير سواء مع عائلتها الكبيرة أو مع من عضلها مباشرة أو مع الأنظمة التي تتيح لمن عضلها أن تبقى تحت سلطته القانونية والفعلية اليومية، وهو ما يمنع الكثير من الفتيات اللاتي تعرّضن للعضل أن يلجأن للقاضي لنقل ولايتهن إليه وتزويجهن، ولكن كيف ستتمكن الفتاة من ذلك وهي لا تستطيع الوصول إلى القاضي أصلاً، كما لا تتوفر آليات سهلة لنقل الولاية للقاضي، إضافة إلى عدم توافر الحماية اللازمة للفتاة من الإيذاء المتوقع بسبب غضب العاضل عليها، كما تغيب تمامًا برامج الدعم النفسي والاجتماعي الذي يساعد الفتاة على تجاوز محنتها مع من عضلها ثم تأهيلها للدخول في حياة مستقبلية أهم أهدافها هو استقرار الفتاة نفسيًا واجتماعيً،ا ولن يتحقق ذلك وكل طواحين القلق الشخصية والاجتماعية تدور من حولها.
قوانين الأحوال الشخصية في المملكة بحاجة إلى مراجعة وتعديل يتلاءم مع ظروف الحياة المتغيرة ومع الرؤية المتقدمة التي تتبناها المملكة، ولعل أول الخير هو تشكيل مجلس شؤون الأسرة بلجانه المتعددة النشطة التي تغطي شؤون الطفل والمرأة التي نأمل أن يثمر نشاطها الكبير في مراجعة شاملة لكثير من الأنظمة بما يتوافق مع (رؤية المملكة 2030).