م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - القصة القصيرة لون أدبي ظهر متأخراً.. ويُقال إن هذا الفن انطلق في روما من حجرة واسعة من حجرات الفاتيكان كانوا يطلقون عليها «مصنع الأكاذيب!».. وسميت تلك الحجرة بذلك الاسم، حيث اعتاد نفر من موظفي الفاتيكان التجمع فيها للتسلية وتزجية الوقت وتبادل الأخبار والإشاعات والقيل والقال.. ولأنهم كانوا يقضون أوقاتاً طويلة في هذه الغرفة فكان لا بد من اختراع الأقاويل ورواية القصص الكاذبة لغايات شخصية أو لشهوة الكلام أو رغبة المشاركة.. المهم أن تكون القصة مسلية وطريفة تجلب الابتسامة أو تشعل الجدال.
2 - ويقال (حسب كتاب الدكتور رشاد رشدي عن فن القصة القصيرة) إن أحدهم كان الأكثر إبداعاً والأخصب خيالاً واسمه (بوتشيو) عمل سكرتيراً للبابا في زمانه.. ودَوَّن تلك الحكايات والقصص والأكاذيب التي تداولوها وسميت (الفاشيتيا) (Facetia) ومعناها القصص الصغيرة المسلية أو المضحكة.. وكان ذلك منتصف القرن الرابع عشر.. وعُدَّت تلك القصص المحاولة الأولى لكتابة القصص القصيرة.. إلا أنها لم تصبح ذات شكل محدد ولم تعد أحد فنون الأدب إلا في أواخر القرن التاسع عشر، حيث تطور ذلك الفن منذ انطلاقته وحتى الاعتراف به بعد ذلك بأربعمائة سنة.. فانتقلت شخوص القصص والحكايات من الأبطال مثل «عنترة بن شداد وأبو زيد الهلالي في الأدب العربي» أو الحيوانات مثل قصص «كليلة ودمنة» إلى الأشخاص العاديين.. وتحول موضوعها من الوعظ الديني أو النصح الأخلاقي إلى الإضحاك والتسلية.
3 - استمر الحال هكذا حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر حينما جاء (موباسان) الذي عمل على إعادة توجيه محور القصص.. من كونها أحداثاً مسلية أو مثيرة أو ذات شخوص غريبة الأطوار أو شاذة الأفعال إلى موضوعات يمكن أن يتم اقتباسها من الحياة والحوادث العادية.. فهي التي تفسر السلوكيات الطبيعية للبشر.. وتبرز المعاني السليمة وتصور المعاني القائمة في الحياة العامة.. ويرى (موباسان) أن في الحياة لحظات عابرة قد تبدو للشخص العادي مجرد لحظة عادية لا قيمة لها.. لكنها في حقيقة الأمر تحوي الكثير من المعاني وتضم قدراً عالياً من القيمة الإنسانية المؤثِّرة.. وبذلك رسَّخ (موباسان) مبدأ أن القصة القصيرة يجب أن تلائم روح العصر.. وتهتم باستكشاف الحقائق والأمور الصغيرة العادية المألوفة.. واعترف الأدباء والنقاد في زمانه أن (موباسان) هو المخترع والأب الحقيقي للقصة القصيرة.
4 - أما في العالم العربي فقد أدت حركة الترجمة في مطلع القرن العشرين إلى تعريف القراء والكتّاب بفن القصة القصيرة.. ويعتبر المنفلوطي ومحمود تيمور أول من كتب القصة القصيرة باللغة العربية.