د.فوزية أبو خالد
بينما كان من المتعارف عليه أن البعض من وزارات الجهاز التنفيذي للحكومة تحظى بحكم طبيعة عملها باهتمام المواطن مثل وزارة الخدمة المدنية ووزارة التخطيط، ووزارة الداخلية، وأن القلة من الوزارات فقط كوزارة التعليم والصحة والعدل تقع بشؤونها وشجونها في صلب اهتمام المجتمع وممثليه, فتكون محل نقد ومساءلة، بل مطالبة بالمحاسبة في مجال عملها, من سياساتها ونوع كوادرها وتأهيلهم إلى نوع أدائها وأدائهم ونوع مدخلاتها ومخرجاتها, فإن متغيِّرات الواقع اليوم وارتفاع وعي المواطن والمجتمع وارتفاع مستوى مسؤولية تمثيله وتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى منابر يومية للتعبير عن الرأي بسقوف عالية لم تكن متاحة عبر الوسائل التقليدية، قد كسر هذه الحصرية وجعل كل وزارة من وزارات الجهاز الحكومي ليست بمنأى عن دائرة اهتمام ومتابعة المجتمع وليس لها من حصانة عن المساءلة والمحاسبة.
وهذا ما صار يتيح لكل جهة وزارية من أعلى هرمها الوزاري ممثلاً بشخص الوزير إلى كافة كوادرها ومن أبسط واجهات تواصلها مع المجتمع متمثلة ببوابتها الإلكترونية إلى سياستها الإستراتيجية تحوز على واحد من أهم أسباب الدافعية للتطور وللتجديد ولرفع معايير الأداء والجودة في علم الإدارة الحديث ألا وهو الاهتمام المجتمعي بأدائها من خلال المتابعة لأدائها وتقديم النقد البناء لها بشفافية وأمانة.
وإذا كانت المتابعة سابقاً حتى لتلك الوزارات «الجماهيرية» لا تتم إلا بمقدار محدود عبر بوابات الإعلام الصحفي والمرئي من بعض الأقلام المؤتمنة على التعبير عن صوت المواطن أو عبر الصفحات المخصصة للمواطن ليعبّر عن صوته بنفسه مثل صفحة النقد الجماهير التاريخية الشهيرة بصحيفة الجزيرة المعروفة بعنوان (عزيزتي الجزيرة)، فإن التغيير لم يتوقف اليوم عند توسيع دائرة الوزارات التي صارت تحظى بالمتابعة لرسالتها ودورها وأدائها بل طال وسائل توصيل الرأي للوزارة المعنية. فصار هناك عدد أكبر من الوسائل ومجال أوسع للتواصل بين المواطنين والحكومة في وزاراتها المختلفة عبر ما صار يُعرف ببرلمان المجتمع، بل بالأحرى برلمان ومنبر كافة فئات المجتمع من النخبة التنفيذية نفسها إلى النخبة «التشريعية»، ومن نخبة الرأي إلى القاع بما نسف هذه الرأسية نفسها وحولها إلى أفق عريض على طاولة «افتراضية» مستديرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي, من الفيس بووك لتوتر لسواهما.
وقد استلهمت هذا القراءة في تحليل هذه الحالة المستجدة من علاقة المجتمع بالحكومة ممثلاً بوزاراتها من خلال الربط بين عدد من المؤشرات الدلالية التي تخرج فيها علاقة المجتمع بالحكومة على سابق أحاديتها, إلا أن واحداً من أهمها كان ذلك المثال النموذجي لهذا التغيّر في (العلاقة بين المجتمع والحكومة) الذي تمثّل ميدانياً أمامي بالوقفة النقدية من مجلس الشورى نحو وزارة الخارجية. وبالتفاعل المنبري معه ممثلاً في هشتاق الشورى عن وزارة الخارجية. ومن خلاله طرحت تغريداته عدداً من الآراء النقدية والمطالب التجديدية لمزيد من الجودة في أداء هذه الوزارة الهامة والتي تمثّل جسر التواصل المركزي بين المملكة العربية السعودية وبين العالم. ولتقريب الصورة لمن لم يطلع على تلك التغريدات ووضعها في سياق موضوع هذا المقال كمثال معبر وبروفة حيّة على مستجدات العلاقة بين المجتمع وبين الحكومة أعرض فيما يلي بعض ما جاء في تغريدات ذلك الهشتاق:
#_الشورى يطالب وزارة الخارجية بصياغة وثيقة للسياسة الخارجية تتضمن تشخيص الوزارة للبيئتين الإقليمية والدولية وما فيهما من فرص وتحديات وتحديد الأولويات على مستوى الدول. والقضايا تكون مرشداً للدبلوماسيين وتوضح رؤية المملكة السياسية وتوجهاتها للمهتمين كافة مع ضرورة تحديثها.
#_الشورى يؤكّد على تحديث لائحة الوظائف الدبلوماسية وما تتضمنه من واجبات وحقوق بما ينسجم مع تحديات العمل الدبلوماسي وما تقتضيه خطة التحول الإستراتيجي لوزارة الخارجية ويرتقي بأداء الدبلوماسية السعودية.
#_الشورى يطالب وزارة الخارجية بدعم مندوبيات المملكة وبعثاتها في نيويورك وجنيف وبروكسل وفينا بكوادر تتمتع بتأهيل عال وخبرة في مجالات العلاقات الدولية والقانون الدولي والإعلام.
#_الشورى يطالب بتطوير بوابة وزارة الخارجية الإلكترونية وإثرائها بالمعلومات المهمة عن المملكة باللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية.
ومع أن هذه التغريدات لا تعبّر إلا عن مطالب تطويرية ملحة وجديرة بالطرح, إلا أنني كمواطنة شغوفة باستقرار الوطن وتقدمه وبتمثيله الخارجي بما يليق به آمل أن نسمع من الوزارة رأياً في هذه المطالب مكتوباً وآخر عملياً، وإن كان هناك ما يضاف وبقوة على ما ورد في التغريدات أعلاه بما أؤجله لمقال آخر قريب بإذن الله. فإذا كان مقال اليوم قد قدم تغريدات الشورى والتفاعل المجتمعي معها في مطالب تطوير الأداء بوزارة الخارجية كمثال على خروج علاقة المجتمع بالحكومة من العلاقة الأحادية لعلاقة تفاعلية، فإن المقال القادم يعنى بسؤال وزارة الخارجية في جدلية علاقتها بالدولة والمجتمع السعودي من ناحية وفي جدلية علاقة تمثيلها للمملكة العربية السعودية أمام المجتمع الدولي.