عبده الأسمري
تحل الأمراض النفسية وتستقر في الأنسان نتيجة خلل في التربية أو خبرات مؤلمة أو اختلال في الشخصية أو سمات وصفات معينة تتحول عبر الزمن لتشكل المرض.. وللأسف الشديد فإن مجتمعنا لا يزال يتهرب وينزوي عندما يذكر مسمى «المرض النفسي» متناسين أنه مرض طبيعي مثله مثل أي مرض آخر ويختلف كليا عن المرض الذهاني «العقلي» الذي لا يحاسب صاحبه مجتمعيا ولا جنائيا ولا شرعيا.. وأن هنالك علماء ومفكرين وشخصيات تعرضت للمرض النفسي في حقبة من حياتهم ويعترفون بذلك والأمر كله يدخل في إطارات المنطقية ومتى ما فهم الإنسان ذاته وتجاهل نداءات وانتقادات المجتمع فإن الأمراض النفسية ستخف وسيكون لدى المجتمع وعيا بأن المريض النفسي «شخصية طبيعية» وفي ظل ذلك فإن موجات الرقاة الشرعيين غير المؤهلين تدخل على الخط بتأكيدات خاطئة «رجما بالغيب» ترمي الأشخاص في متاهات «السحر الأسود» و»عشق الجان» و»ضربات العين القاتلة» وما إلى ذلك من تشخيصات ذاتية لا تمت للعلم الشرعي برابط ولا إلى المجال الطبي بصلة .
اليوم سأناقش موضوع المسؤولين الذين يعاني بعضهم من مشاكل نفسية واختلالات شخصية تسير به عبر مسارات «المرض النفسي» الذي يبرمج شخصيته.
وبطبيعة الحال فإن درجة الأمراض النفسية لدى المسؤولين تتفاوت في حدتها ودرجتها وجوانبها وتختص لدى المسؤولين عن غيرها بأن معظمها يتعلق بالشخصية وبأدوات المسؤولية التي يستخدمها بالخطأ فيرتمي في بؤرة المرض وهو لا يدري وقد يوجه مسؤوليته عبر اعتلاله الشخصي فيسير بإدارته والخدمة المقدمة منها إلى الخذلان والضياع .
ومن الأمثلة عندما نجد مسؤولا يتقاضى راتبا عاليا ومزايا وانتدابات وبدل سكن ومقومات متكاملة اجتماعيا وماديا وأسريا ثم نجده متورطا في قضية فساد أو استغلال نفوذ أو سوء استخدام سلطة فإن ذلك ينبئ بخلل في الشخصية وعادة ما يعاني هذا النوع من اعتلالات نفسية واضطراب سيكولوجي عام مما يجعل قراراته خاطئة وأمانته ضائعة .في حين أن وجدنا آخر يتعالى على موظفيه ويوصد الباب أمام المراجعين ولا يرد السلام على من يقابله فإن هذا النوع مصاب بجنون العظمة وهو مرض نفسي خطير ينعكس سوءا على شخصية المسؤول وعلى تصرفاته وسلوكه ويتم عن عقد نقص عميقة. وإذا ما رأينا نوعا من المسؤولين يسيئون استخدام العبارات والتعامل مع موظفيهم ومراجعيهم بالصراخ فإن هذا النوع مصاب باكتئاب أو قلق مزمن أو صدمات نفسية والأمثلة في هذا الإطار تتنوع وتتزايد.
أتمنى كنوع من العظة والفائدة أن تكون هنالك دراسات وأبحاث عن تفشي الأمراض النفسية وخلل الشخصيات لدى بعض المسؤولين ممن كان تاريخهم مليئا بالتجاوزات وبالأخطاء وبالغرور والتعالي وجنون العظمة وسوء التعامل لأنها في الحقيقة عقد نفسية أو صفات خاطئة كانت تتنقل معهم فيسقطونها في تعاملاتهم مع الموظفين أو المراجعين يحاولون من خلالها بناء ذواتهم الناقصة بالمال أو المنصب دون إنتاج متخذين المسؤولية وسيلة للإسقاط ومسلك إلى تعويض النقص وإلى توجيه الخبرات المؤلمة نحو الآخرين . وأرى أن لا يستحي أي مسؤول من الذهاب للطبيب أو الأخصائي النفسي باكرا لأن ذلك طبيعي وحيوي خير له من التمادي في نثر الشر على الآخرين ليرى نفسه ذات يوم خاضعا للمساءلة والتحقيق.