د. حسن بن فهد الهويمل
من مصائب مشاهدنا وقاحةُ المتذيلين للمغرضين الذين يشترون أهل الذِّمَم الرديئة؛ ويجيِّشونهم لتزييف الوعي، وتأزيم المشاعر، وقلب الحقائق.
[اليمن] بوصفه القضية الأكثر سخونة، دخل بعد اغتيال رئيسه السابق نفقاً مظلماً قد لا يخرج منه إلا بثمن باهظ.
من الطبيعي، والمتوقع أن يغدر [الروافض] بمن واطأهم على خيانة:
[العقيدة، والقومية، والوطن].
فتلك سجية فيهم غَيْر مُحْدثةٍ تناقلها العلماء، والمؤرِّخون جيلاً عن جيل.
ولعل ألصقها، وأقربها، وأصدقها ما تناقلته المواقع، والمنتديات عن العالِم اليمني السلفي [بدر الدين الشوكاني ت 1250هـ]. وما التَقَطَهُ المغردون من خطب، وكلمات، وتعليقات حول التقارب المشبوه بين [المغدور]، والورم السرطاني في الجسم اليمني.
وهي مقولات تُجَرِّمُ التقارب، وتُخَوِّنه، ولكن مَكْر اللاعبين في غرف العمليات في [إيران] أمضى، وأشد تنكيلاً.
الرئيس المغدور [يداه أوكتا، وفوه نفخ]. لقد كان جريئاً، بل متهوراً حين جمع كل الأفاعي في سِلَالِه، ودَسَّ عليها يده يُلاعبها، كما [الحُوَاة]، و[السَّحرة] فجاءته اللدغة القاتلة، والمذلة في آن.
لقد فكَّر، وقدَّر، واستبان بعض الرُّشد في تحركه الأخير، ولكنه {قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}، لأنّ وعيه جاء بعد فوات الأوان.
وحين أراد تدارك الأمر، استبقته يد الغدر فأردته قتيلاً.
لم أستغرب الحدث، ولم أُصْدَم به. فالقتل متوقع في أي لحظة. لأنّ المغدور اختار الطريق الخطأ.
ولما مَكَّن للأعداء من رقاب قومه ادَّكر: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ}.
ما يسوء ليس فيما حصل، ولكنه في تناقض ردود الأفعال، وفي قراءة الحدث قراءة تآمرية، لأنّ ذلك كله يزيد من ارتكاس [اليمن] في أوحال الفتن. الخطر الأكبر في القراءة المضَلِّلةِ للعملاء من أبناء اليمن المشردين.
[الحوثيون] بدورهم ارتكبوا خطأ فادحاً، قد يكون هلاكهم عليه. ولا سيما تبنِّيهم للتغطية الإعلامية المذلّة لملابسات الاغتيال.
بمقدور [التحالف العربي] تصفية الرؤوس المدبرة في وقت مبكِّر. وقد قالها الناطق الرسمي ذات مرة. ولكن الحرب ليست عبثية، ولا تصعيدية، إنها محسوبة بكل دقة.
فقتل [المخلوع]، أو [الحوثي] سوف يؤجج المشهد، ويزيد في الاحتقان، ويخلط الأوراق، ويحرِّضُ على الأخذ بالثأر، وهو ما لا يريده قادة التحالف.
لقد حاول [التحالف العربي] في كل غاراته تفادي التجمعات السكانية، والبنية التحتية، واكتفى بالتركيز على المواقع العسكرية، ومنصات إطلاق الصواريخ، ومن ثم لم يُثر الشارع اليمني، بل ربما كان مُضْمَر الشارع مع التحالف.
والدليل على ذلك القراءة الذكية للرأي العام، التي حملت [المغدور] على فك الارتباط بـِ [الطائفة الحوثية]، والتوجه إلى دول الجوار، لإنقاذ الموقف المتردي.
خيارُ [المغدور] فك الشراكة مع [مُمَجِّسي اليمن] خيارٌ مَصْلَحِيٌّ، وليس استرضاء، ولا تكفيراً للمقترفات التي جناها على نفسه، وعلى أهله. كما أنه ليس حباً للتحالف، أو صدقاً معه.
المسألة في النهاية حسابات مصالح. فلا يجب الانخداع، ولا إحسان الظن. والحسابات كلها بشرية، قد لا تأتي على شهوة الحاسب.
ولما كانت الصحوة في وقت غير ملائم، مال [الحوثيون] إلى التصعيد السريع، والحيلولة دون خروج المغدور من قبضتهم. فكان القتل المرتجل، وغير المحسوب.
لقد غلبت عليهم شقوتهم، وأسرعوا الخطى إلى مصارعهم. فالقتل لشريك بوزن [المغدور] يملك المال، والمقاتلين، وشطراً من الولاء: القبلي، والشعبي. ليس في صالح الشرذمة المنبوذة، والمدعومة من غرباء في قوميتهم، وعقيدتهم، وأهدافهم.
ولو أنهم إذ ظفروا به أحسنوا وفادته، وساوموا على حياته، واستدرجوا أتباعه، لكان خيراً لهم، وبإمكانهم حين يقررون القضاء عليه إنهاء حياته بطريقة [مُفَبْرَكَةٍ].
المؤكد أنّ أمرهم فوضى، وأنهم {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ }. وتحركهم تمليه الظروف اللحظية، ومن ثم لم تكن لديهم أية حسابات.
[المغدور] ذكي حذر، ومقاتل شرس، ولاعبٌ متمرس، وله هو الآخر حساباته، ولكن إرادة الله نافذة، سواء وافقت التوقعات، أو لم توافقها. فالله لا يُطْلِعُ على غيبة أحداً.
حتى الرسلَ من أولي العزم، حين يركنون إلى حساباتهم الشخصية، تأتي الإرادة الربانية مناقضة لحساباتهم.
[يوسف] عليه السلام:- {قَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}.
فالإنساء، والمكث في السجن من الله. وما كان [يوسف] يعلم القدر، ولا يُمَثِّل القدر رغبته، ولا حساباته، فكيف بمن دونه من الخلق.
لـِ[المغدور] حساباته. وللقدر حساباته، فكان القتل الغادر لمن أحاط نفسه بترسانة عسكرية، تَحْفَظُه من الناس، ولكنها لا تحفظه من أمر الله.
قراءة الحدث متفاوتة، وتداعياته متباينة. والأغبياء هم الذين قتلوه. لقد كانت الخطة الجديدة التي ينوي مباشرتها إرادة فرد. وهي اليوم ستكون إرادة أُمة.
كنا نُحَذِّر من غدر [الرافضة]. ولا يُلتفت إلى تحذيرنا. فتطوع [الرافضة] بأنفسهم، وبمقترفهم إثبات ما كنا نُحَذِّر منه.
قادة [اليمن] عاشوا زمن التيه، والتبعية. وهم اليوم يرون الحقائق ماثلة أمامهم، فمتى يَفيق [اليمن] من الصدمة، ويُصَفِّي خلافاته. ويُنْهِي فرقته، ويبدأ رحلة العودة إلى الطريق القاصد، لينهي فتنة الطائفية، ويحقق الوحدة الوطنية؟
الحل ليس بيد [التحالف]، ولا بيد [الحكومة الشرعية]. الحل بيد [الشعب اليمني] بكل أطيافه، وطوائفه.
ويقيني أنّ الخطاب الطائفي بعد كل هذه الويلات، والمصائب فقد أهليته، ومسألة تلاشيه مسألة زمن، متى حيل بين [الحوثيين]، و[المجوس].
أطراف القضية لهم رهاناتهم، وخياراتهم. فهل يجنَحُون إلى الشعب، أم يظلون يُغَلِّبون نزيف الدم؟
أحسب أنّ [اليمن] بلغ الدرك الأسفل من الفقر، والفاقة، والجهل، والمرض. وهو بحاجة إلى زمن طويل كي يفيق، ويستعيد قدرته على النهوض، ووعي ما حوله.
دول الجوار أمام خيارات، هي الأخرى متعددة. وأحسنها في نظري ترك الخيار للشعب، فهو وحده الذي يستطيع حسم أمره، وتحمل مَسْؤوليته.
[إيران] اللاعب الأشد جلداً، وشراسة ستكون حاضرة بالسلاح، والمستشارين، والمدربين، والمخططين. وتقليم أظافرها لا يحتاج إلى قوة، بقدر ما يحتاج إلى دهاء، ودقة، وتخطيط، وتوعية.
تجربة [المملكة العربية السعودية] مع [اليمن] تجربة مريرة. لقد خسرنا الشيء الكثير، لتَجْنيب [اليمن] الحروب الأهلية، وتشتت الأهواء، والحيلولة دون التدخلات المناوئة للجوار.
المملكة تصدت لعدة تدخلات لعل من أخطرها:
- تدخُّل المد الانقلابي الاشتراكي.
- وتدخُّل المد الطائفي الصفوي.
لقد نجحنا في الأولى، ولمّا نزل نعالج الأخرى، بكل الوسائل.
[اليمن] بفوضويته، ومكوناته السكانية الغريبة، وجهله المعتق، قابل لتنفيذ أي لعبة مناوئة للمملكة.
ومن الخير لنا، والحالة تلك أن نحمي حدودنا بقوة رادعة مدمرة، ونحن قادرون على ذلك، وندع لليمنيين بما فيهم من ينعمون بخيرات البلاد فرصة التفكير، والجنوح إلى الخيار الذي مازلنا نجرجر اليمن إليه. وهو الولاء للوطن بكل أطيافه، والتعايش، وحسن الجوار، وإنهاء العمالة للأجنبي، لتصعيد الخلاف مع المملكة.