كوثر الأربش
ما الذي جعل خبر استقالة الرئيس سعد الحريري، قضية عالمية، فيما مقتل الرئيس علي صالح ورقة ذابلة، منسيّة في ملف العالم؟
لم يكن منظر جثة صالح مروعة بما يكفي لضمير العالم، الرصاص الذي اخترق جسده ورأسه، تقليبه يمنة ويسرة بكل استهانة، ملفوفًا بملائة حمراء، تحيطه أصوات التكبير وحمد الله. لم يكن مثيرًا لعاطفة العالم اقتناص يمني برصاص يمنيين مثله كما يقتنص الصيد. نعم، لم يكن مثيرًا بما يكفي.. كان يمكن أن يكون اغتيال صالح أكثر أهمية لو أن المتورط في دمه (بشكل مباشر أو غير مباشر) سعودي. بالطبع هذا افتراض مستحيل، فالسعوديون لا يحاربون بالوكالة، ولا يغتالون رؤساء العالم، كما فعلت إيران برفيق الحريري، لكنهم سيجدون طريقة لتوريط السعودية بشكل أو بآخر، كأن يكون القاتل مولودا في إحدى مدن السعودية مثلاً! كان يمكن أن تمر استقالة الحريري مرور السحاب، لو أن خبر استقالته لم تتزامن مع وجوده على الأراضي السعودية. المقياس هنا ليس موضوعيًا أو إنسانيا. يمكن لك أن تسحل بشرًا، أو ترميه بالرصاص وتقلبه أمام الكاميرات. وتختفي بكل بساطة بجريمتك.. وللأبد. كما اختفى مجرمو ثورة الخميني في إيران بعد مجازرهم وإعداماتهم الجماعية دون أن يدينهم العالم. ما هو السؤال الذي يجب أن يُطرح هنا؟ لماذا هناك رغبة جامحة لدى الإعلام العالمي أن يورط السعودية في أي شيء، فيما تنفذ إيران بجلدها عن المساءلة؟ أولاً: الخطاب الخارجي السعودي اعتذاري، مسؤول، هادئ، يميل للدفاع والتبرير. الخطاب الخارجي الإيراني: متحدٍ، لا مبالي، هجومي، لا مسؤول.(يمكنك تذكر مواقف كثيرة أثار فيها الإيرانيون زوبعة هجوم ضد السعودية وغيرها بسبب وبغير سبب: سقوط الرافعة في مكة، استقالة الرئيس الحريري، والآن قرار ترامب لنقل السفارة للقدس) سوف يهاجم مسؤولو إيران وإعلامها السعودية وغيرها في كل موقف وكل شاردة، حتى تترسخ في ذهن العالم بوصلة تشير دائما نحو أي جهة، عدا طهران!. ثانيًا: ينطلق الإيرانيون من مظلومية، تشبه مظلومية اليهود. بحيث أصبح نقد إيران محظور ومخيف وقد يحملك تهمة العداء لآل البيت، أو للشيعة المضطهدين في العالم! وهذه وحدها بحاجة لوقفة طويلة ومتأملة. منذ ثورة الخميني وإيران تربط مصيرها بمصير الشيعة في العالم، كما لو أنها أخذت بيعة كل فرد شيعي ورضاه! متناسبة أن ليس كل الشيعة يعتبرون المرشد الأعلى وليًا عليهم. وأن هناك غضب نوعي من حديث إيران على لسان الشيعة. ولن أتشعب في هذا الأمر. يكفينا القول بأن إيران تسلقت على أوجاع الشيعة ومظلومياتهم (سواء كانت واقعية أو وهمة) من أجل تخويف العالم من نقدها. إنه ببساطة هولكوست إيراني جديد.
ماعلينا فعله الآن: الاستمرار بتطوير الخطاب الخارجي والداخلي السعودي، للانتقال به من خطاب الاعتذار والتبرير، لخطاب آخر يخرجنا من الدور الذي تريده لنا إيران. وهناك خطط واسعة يمكننا التفصيل بطرحها يومًا ما.