د. جاسر الحربش
الرئيس الأمريكي ترامب يعاني داخلياً من هبوط شعبيته إلى القاع، ومن محاكمة مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين بتهمة التخابر مع دولة أجنبية والكذب والحنث بالقسم، ومن اتهام صهره جاريد كوشنر بالتربح الشخصي مع الحكومة الروسية، بالإضافة إلى فشله في تمرير أغلب ما وعد به من تعديلات صحية واقتصادية وتصحيح علاقات خارجية لم يوافق عليها الكونجرس.
يتفق المحللون السياسيون في العالم على أن أي رئيس أمريكي يجد نفسه في ورطة داخلية يلجأ إلى عمل مثير ضد دولة خارجية ضعيفة، والأمريكان يسمون ذلك سياسة هز الكلب. الرئيس ريجان واجه مشكلة تفجير السفارة الأمريكية في بيروت وقتل حوالي مائتي جندي أمريكي، فهز الكلب بغزو جزيرة جرينادا الصغيرة وتدمير بنيتها التحتية. الرئيس كلينتون واجه فضيحة مونيكا لوينسكي وتفجيرات نايروبي فأمر بقصف السودان وأفغانستان. الرئيس جورج بوش الابن واجه أحداث الحادي عشر من سبتمبر بغزو العراق وأفغانستان. في كل مرة يهز رئيس أمريكي ذيل الكلب ترتفع شعبيته ويغفر له شعبه أخطاءه.
الملاحظ أن الكلب الذي يهزه الرئيس الأمريكي يكون غالبا ًعربياً، ما عدا ذلك الجرو الصغير جزيرة جرينادا. نحن الآن أمام الرئيس دونالد ترامب الذي هز ورج الكلب بعنف مساء الأربعاء 6-12-2017م موقعاً على الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل وعلى الأمر بنقل السفارة الأمريكية إليها.
نعلم أن الرئيس دونالد ترامب يواجه ورطة عويصة مع كوريا الشمالية لا يجرؤ على حلها، وشعبيته الداخلية تدنت للأسباب المذكورة في بداية المقال، لكن ذلك كله مجرد تفاصيل صغيرة بالنسبة لما يضمره دونالد ترامب للمسلمين والعرب.
قبل أن يصل ترامب إلى كرسي الرئاسة أطلق تصريحات كثيرة مرعبة كان أخفها التالي: إن الإسلام دين شرير. رقص المسلمون كالمجانين في الشوارع يوم الحادي عشر من سبتمبر. دول الخليج يجب أن تدفع لنا ثلاثة أرباع دخلها مقابل توفير الحماية لها. سوف أعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأنقل السفارة إلى هناك.
المهم، عندما يترفع رئيس دولة أجنبية، في هذه الحالة الرئيس الأمريكي ترامب، عن تسمية المسجد الأقصى باسمه الحقيقي وينزل بقيمته الدينية والتاريخية إلى مستوى تسميته بجبل الهيكل الذي يسمونه «أي المسلمون» المسجد الشريف، ماذا يعني ذلك. أترك الاستنتاجات لمن يهمه الأمر والمستقبل، لكن أول استنتاج هو مصادرة أقوى دولة مسيحية لقبلة المسلمين الأولى وتسليمها لليهود.
بعد هذا الخطاب الذي هز به ترامب الكلب مرة أخرى يحق للإيرانيين ومؤيديهم ولكل الصهاينة ومحبيهم أن يزغردوا ويرقصوا على كيفهم في شوارع القدس العربية وباحات الأقصى. الأهم من ذلك أنه يحق للصهاينة الآن طي صفحة فلسطين كقضية حسمت والانتقال إلى الأهداف التوراتية المؤجلة.
أعتقد أن قرار الرئيس الأمريكي يجب أن يشكل استدارة مصيرية في علاقة الشعوب والحكومات العربية والإسلامية بالإدارات الأمريكية، ولن يكون الرئيس الأمريكي الحالي قد هز الكلب فقط هذه المرة وإنما خض ورج العالم العربي والإسلامي بالكامل، لأن الأمر وصل إلى الجذور الأولى للإسلام.