لا، يا سيد ترامب. إنك «تفترض الافتراضات الفاشلة نفسها وتكرر الإستراتيجيات الفاشلة الماضية نفسها». فبعملك أنت تعيد الفرضيات الفاشلة والإستراتيجيات الفاشلة لسلفك، ترومان، عندما، وخلافاً لنصيحة وزير خارجيته المخضرم، الجنرال جورج مارشال، اعترف بإسرائيل كدولة، مدشناً بذلك ظلماً تاريخياً سمح لتلك الدولة أن تضطهد الشعب الفلسطيني وتحتل بغير حق أراضيهم وأراضي عربية أخرى. سفك الدماء والاضطرابات تبعت قرار ترومان الانتهازي ليحرز مكسباً انتخابياً. كما وأن سفك الدماء والاضطرابات ستتبع قرارك الانتهازي لتحرز مكسباً انتخابياً.
لا، يا سيد ترامب. إن عملك ليس في «مصلحة الولايات المتحدة»، عملك هذا جعلك تتخلى عن وعدك الذي قطعته للأمة الإسلامية في قمة الرياض عندما «عرضت الشراكة المبنية على المصالح والقيم لبلوغ مستقبل أفضل لنا جميعاً»، أين الشراكة التي وعدت في قرارك الأحادي والخاطئ؟
لا، يا سيد ترامب. إن القدس ليست عاصمة إسرائيل. إن دولتك كانت أحد مهندسي القرار (242) لمجلس الأمن الدولي والذي ينص جلياً على «عدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بواسطة الحرب»، والذي هو من أهم مبادئ القانون الدولي، مؤيداً بقرارات تالية لمجلس الأمن. إن القدس الشرقية أرض استولت عليها إسرائيل بالحرب. إن تجاهلك لهذه الحقيقة إنما هو محاولة مبيتة للتدليس ولفرض «الأخبار المضللة» على الحقيقة التي يعلمها ويقبلها كل العالم إلا أنت والمتطرفين اليمينيين في إسرائيل والولايات المتحدة ودولاً أخرى.
لا، يا سيد ترامب. أن إسرائيل ليست الديموقراطية التي تصفق لها. ما عليك إلا أن تسأل المسلمين والمسيحيين الذين يعيشون هناك ويعانون من الاضطهاد وسلب حقوقهم. ويمكنك أيضاً أن تسأل المسلمين والمسيحيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الوحشي الذي تفرضه عليهم إسرائيل وتجيز لمواطنيها بسرقة أراضيهم واغتيال أبنائهم وحبس أطفالهم ونسائهم وشيبانهم.
لا، يا سيد ترامب. إن عملك يناقض قولك بأنه «ليس تخلياً عن تمسكك القوي بإحراز إتفاق سلام دائم»، كيف وصلت إلى هذا الاستنتاج بتسلسل فكري منطقي؟ كيف يمكنك بلوغ «سلام دائم» وأنت تتبنى الادعاء اللاشرعي على الأراضي المحتلة لأحد الطرفين؟ كيف تدعي أنك «لم تتخذ أي قرار بشأن قضايا الوضع النهائي للمفاوضات بما في ذلك الحدود المحددة للسيادة الإسرائيلية في القدس أو بشأن الحدود المختلف عليها» وأنت توافق على ادعاءات إسرائيل اللاشرعية بغير ذلك؟ لا، يا سيد ترامب. إن قرارك لا «يؤكد التزام إدارتك المديد لمستقبل السلام والأمن للمنطقة»، وعلى العكس، فإن قرارك قد شجَّع أقصى القوى تطرفاً في المجتمع الإسرائيلي لتبرير ادعاءاتهم العنجهية على كل فلسطين لأنهم يأخذون قرارك رخصة لطرد كل الفلسطينيين من أراضيهم وفرض نظام دولة عبودية عليهم. كما وأن قرارك قد شجَّع إيران وأتباعها الإرهابيين بالادعاء بأنهم من يدافع عن الحقوق الفلسطينية في مواجهة الأهداف الإمبريالية لأمريكا وإسرائيل: فأين «مستقبل السلام والأمن للمنطقة» من ذلك؟؟ وإن قوى الإرهاب المتهالكة الآن تجد جرعة إنعاشية منك تنشط استقطابها للمتطوعين وتوسع من أعمالها الإجرامية ضد الأبرياء في كل العالم. فأين «مستقبل السلام والأمن من ذلك».
لا، يا سيد ترامب. كيف تدعو «للهدوء، الاعتدال، ولأصوات التسامح لتسود على مروجي الكُره» وقرارك هو البلسم الذي ينعشهم. إن قرارك هو ما يغذيهم. إنه الأُكسجين الذي يُحييهم.
لا، يا سيد ترامب. لا تبعث بنائبك إلينا. فلن نرحب به. إذا كنت تريد أن تصلح هفوتك الساقطة والمتعجرفة فيمكنك أن تعلن اعترافك بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية. وبغير ذلك، فانسَ كلمات التملق التي تخاطبنا بها. لقد تعلمنا من سكان ما أصبح يُسمى بأمريكا أن «الرجل الأبيض يتكلم بلسانين»، لقد عرفنا تلك العبارة منذ عام 1917.
إن ملكنا وولي عهده وحكومتنا وشعبنا يدينون عملك، وملكنا نصحك بالعودة عنه. فمن أجل السلام والأمن العالمي، أرجو أن تصغي لنصيحته.
** **
- بقلم/ تركي الفيصل ابن عبدالعزيز آل سعود