«الجزيرة» - المحليات:
أوضح معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى عضو هيئة كبار العلماء والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أن مفردة الفساد تشمل معاني عدة مثل الفساد في الدين؛ فالتطرف في مفاهيمه المنغلقة والمحرِّفة لدلالات النصوص يمثل فساداً فكرياً، وأن الفساد يطال كذلك جانب الأخلاق فالانحراف المسلكي فساد في الأخلاق، كما يشمل مفهوم قيم العدالة من خلال ممارسات الظلم، مؤكداً أن هناك فساداً يطال الإدارة والمال، وأنه لا يوجد فساد مالي إلا وهو في غالبه مسبوق بفساد إداري.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها معاليه كمتحدث رئيس خلال احتفالية الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد باليوم العالمي لمكافحة الفساد في إطار منتدى «النزاهة في مؤسسات العدالة الجنائية»، واللقاء الإعلامي المصاحب، حيث تابع د.العيسى بأن عالمنا الكوني غير مبرمج، فهو عالم الاختيار والاختبار والتفاعل بحرية غير مبرمجة وبالتالي فقضايا الفساد واردة، وهو ما يتعين مواجهتها بكل السبل.
وتابع بأن الفساد هو الثقب الأسود في التنمية، وأن محاربته مقياس نهضة الدول، ولذلك توجد قياسات تنافسية تتعلق بمؤشرات عدة، كثير منها تصب في موضوع محاربة الفساد وتسهيل الإجراءات والقضاء على البيوقراطية وتعزيز الشفافية.
وأشار إلى ما أسماه بالفساد المركب، وهو ممارسة الفساد مع تسويغه وكذلك الفساد المنقع أو المغلف في متوشحاً برداء السياق اللفظي المضلل كالإكرامية والتشجيع والتسهيلات الخاصة، وأوسع أبوابه وأخطرها في هذا السياق غسل الأموال.
وأضاف بأن للفساد أسباباً من بينها: الثغرات النظامية والإجرائية وعلاجها بالتقويم والتحديث المستمر، بيروقراطية بعض الإجراءات، مؤكداً أنه كلما توسعت الإجراءات وتعقدت فتحت باباً للفساد، وعدم تفعيل النظام والإجراء بكسل أو عدم كفاءة أو تعمد وأن التطبيق الحازم لتشريعات مكافحة الفساد هو العلامة الفارقة بين النظام وفعالية النظام، وعدم شفافية بعض الإجراءات التنفيذية.
وزاد الشيخ العيسى إن من بين الأسباب تجاهل الشكاوى، حيث إن كل شكوى يفترض أن تكون بمنزلة قضية مرفوعة لا بد أن تُسمع ويصدر فيها قرار، واحتجاب المسؤول وهو ما يصرفه عن مشهد عمله التنفيذي، مؤكداً أن إصغاء الإدارة للجميع يدعم الجهود في هذا المجال، والتساهل الإداري، وأن كل تساهل إداري يقود لفساد مالي، وضعف أو عدم وضوح الإجراءات الداخلية الخاصة والسياسة الداخلية للمنظومة الإدارية وفق السلطة التقديرية للمسؤول، حيث تتطلب كل منظومة ذلك بما ينسجم مع طبيعة عملها وما يلزم له من مرونة تتيحها صلاحية السلطة التقديرية في إطار إمكاناتها المتاحة، إضافة إلى ضعف الوازع، وهو في مسارين: وازع تربوي ثقافي عام يشترك فيه المؤمن وغير المؤمن، ولذلك توجد دول لا دينية سجلت معدلات متدنية في مقاييس الفساد بسبب الثقافة النابعة من قناعتها القِيَمية والمادية بأن مواجهة الفساد مرتكز البناء والتنمية والتحضر والتقدم في إطار ما يسمى بأخلاقيات العقل المعيشي. والمسار الثاني كذلك لكنه يرتكز على قيم ديننا الحنيف وبالتالي يجعلنا أكثر مسؤولية في هذا المجال، والأسوأ أن تجد من يُنظّر دينياً أو محسوب على أي منظومة دينية أياً كان مجالها في أي مستوى إداري فيها، ويُسهب في التنظير التربوي والمسكلي، وهو مع ذلك أمام حالة انفصام قيمي فتجده مع الأسف يباشر نوعاً من أنواع الفساد أياً كان تأويله له وسيكون سيئاً للغاية إذا كان من جملة الفساد المركب الذي تحدثنا عنه، وهذا وإن كان - بحمد الله - قليلاً جداً لكن لا بد من أخذه في الاعتبار، ولا عصمة لأحد، فما كل من يُنظر دينياً وقيمياً معصوماً بمجرد الطرح والتنظير، لكن حسن الظن والثقة هي الأصل بل والسائد - بحمد الله، مؤكداً أن قيمنا الدينية وقدوتنا في هذا تمثل نموذج مشرف.
ودعا العيسى إلى وضع تصنيف جنائي لوقائع الفساد تفيد في مسار هدف منتدى اليوم، مبيناً أن هناك السرقة والاختلاس والتأويل الفاسد والخطأ الإداري والتساهل الإداري والعرف الفاسد وكلها تنتج تكييفاً مهماً يفيد في مباشرة وقائع الفساد في كل مساراتها، ومع أن هذه لا تشكل فراغاً في السياقات الحالية لكن تحتاج للمزيد من الدراسات والبحوث والمقارنات بحكم التحول والتنوع في وقائع الفساد، وهذا يفيد كثيراً للمستقبل.