عبد الله باخشوين
.. خلال هجومه الشفهي على الحوثيين.. كان علي عبدالله صالح.. ينعتهم بـ»أعداء الجمهورية» وفي أحد تصريحاته قال عبدالملك الحوثي: «الجمهورية باقية».
وفي كلا «الإشارتين» نجد «الإمامة» حاضرة.
أي أن الحوثيين يريدون أن يقيموا دولة «إمامة شيعية».
وفي الجدر التاريخي أن «المملكة المتوكلية اليمنية» التي انتهى دورها عام 1962 أسسها الإمام يحيى بن حميد الدين.. إمام المذهب الشيعي «الزيدية» وخلفه بعده ابنه الإمام أحمد إمامًا للمذهب وملكًا للبلاد.. ومن ثم ابنه الإمام البدر الذي انتهى عهده وعهد الدولة بانقلاب قادة عبدالله السلال وتمت مساندته بحشود كبيرة من الجيش المصري وكان ذلك في عام 1962.
وبعد عدة مناوشات ومحاولات انقلابية.. كان الحكم الإمامي ينجح في البقاء بالتحالفات والاعتراف بحقوق الأغلبية السنية «الشافعية».. إلا أنه أدار البلاد بطرق تقليدية لا تواكب العصر.
بعد عام 1962 وإنشاء ما سمي بـ»الضباط الأحرار» ونجاح الانقلاب وما تبعه من أحداث حالت المملكة دون امتداد تأثيرها إليها.. ودعمت مقاومة الجيش المصري من قبل رجال القبائل اليمنية التي حاربت لعدة سنوات حتى تم إخراجه.. وإنشاء الحكم الجمهوري دولة ذات طموح تحديثي لا يعتمد على طائفة أو ملة أو مذهب.. وإن كانت قد توالت فيه عمليات الاغتيال السياسي والانقلابات العسكرية التي آخرها تلك التي أوصلت علي عبدالله صالح لتسلّم الحكم مسنودًا بكثير من القبائل والجيش بطبيعة الحال.
غير أن «فكرة» إعادة «الإمامة» لم تختف من الساحة اليمنية خاصة بعد نجاح الثورة الإيرانية وقيام الملالي بالاستيلاء على السلطة.
وقد شهد عهد علي عبدالله صالح عدة حروب مع جماعة «الحوثي» التي تريد أن تعيد للقيادة الشيعية عهدها ولكن هذه المرة وفق النهج الفكري والسياسي الذي أسسه ملالي إيران.. وهي حروب يدرك عامة أبناء الشعب اليمني طموحاتها وأهدافها التي بدأت بالمطالبة بحقوق مدنية وعينها على الاستيلاء على السلطة وإعادة إنشاء دولة الإمامة بالمواصفات الإيرانية المعروفة لدى الجميع.
بعد خلع صالح وإقرار سلطة جديدة للبلاد توسعت الطموحات الحوثية وسعت للسيطرة.. وعاد صالح من المملكة بـ»الحصانة» التي منحتها له شروط تنحيه عن الرئاسة.. وأعلن تحالفه مع الحوثي.. وبقية الأحداث معروفة.
غير أن صالح بعد أن شق البلاد وجعلها تتصارع في ثلاث قوي أحدها تمثل الشرعية.. أدرك متأخرًا جدًا أن جماعة الحوثي اكتفت بإرسال «الجيش» الذي يعد ذراع صالح وأداته لمحاربة قوى الشرعية في الأماكن التي تسعى لاستعادتها وفرغت أبناء طائفتها للاستيلاء على كل مقدرات المناطق التي تقع تحت سلطة صالح وسلطتها.. ووجد «علي صالح» نفسه يراوغ في مكانه دون سلطة أو نفوذ أو إرادة قرار.. لأنه أصبح تحت ظل قوى الحوثي.. ويكاد يأتمر بأمرها.
أما عندما أراد التمرد قبل يومين من مقتله.. فقد وجد أنه يكاد يكون وحيدًا لأن الجيش الذي نشره في ساحات القتال.. كان قد أصبح بعيدًا عنه.. ولم يجد أفواجه.. ولا حتى قوة صغيرة يمكن أن تدافع عن منزله وتحول دون الحوثيين «وتفخيخه» ومن ثم تفجيره.. وتلحق به في طريق هربه وحيدًا إلا من عدة رجال مرافقين لا يمكن اعتبارهم مقاتلين.
وللحق فإن مقتله يعد «هدية» قدمها الحوثي لقوة الشرعية.. حيث إنه أخلى الساحة من «حليف» قوي.. يمكن أن تتبدل ولاءاته من ساعة لأخرى ويمكن أن يعود للتحالف معها لولا رغبة الحوثيين في أخذ «الثأر» منه لأنه قتل أحد مشايخها الكبار في أحد حروبه السابقة مع الجماعة.
نقول «هدية» لأن مقتله جعل اليمن منقسمًا إلى فريقين.. فريق يمثل الحكم الشرعي الوحيد المعترف به عربيًا ودوليًا ومحليًا.. وفريق طائفي إرهابي يتلقى دعمه من إيران التي كانت قد أرسلت له طائرات أمدته بالسلاح والعتاد الذي يحارب به حاليًا.. وهذا الأمر مناسب جدًا للقوى الشرعية حتى تقوم بإعادة رصد صفوفها واستقطاب فلول الجيش وأنصار «الرئيس السابق» لتشن حربها في مواجهة هذه القوى الطائفية الإرهابية وسوف تجد الدعم والتأييد ليس من المملكة ودول التحالف العرب فقط لكن من كل دول العالم التي تحارب الإرهاب وتسعى لاستئصاله من أي مكان يوجد فيه.