عبدالله بن موسى الطاير
عام 1990م تأسست حركة مدرسية زيدية لها مناهجها ومناشطها، وهي منتدى «الشباب المؤمن». وكانت تحت نظر الدولة وهدفها الأساس تقوية المذهب الزيدي في قلوب أتباعه. حركة الشباب المؤمن وفقاً لأمينها العام محمد عزان نشأت من «عمق الزيدية» التقليدية.
وبالتوازي وفي صعدة أيضاً برز مرجع زيدي أمضى سنوات عدة في إيران هو بدر الدين الحوثي وكان «أقرب إلى الفكر الشيعي الإمامي الممثل بالشيعة الإثني عشرية كما هي حال شيعة إيران والعراق ولبنان، في حين أن سائر المدارس الزيدية تبدو أقرب للفكر السني». عمل بدر الدين الحوثي على تسفيه أحلام الدولة المركزية متبنيًا خطاب إيران في مهاجمة الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاء أمريكا ومن ضمنهم الرئيس الراحل صالح. وبدأت مشاريعه الخيرية تؤتي ثمارها في ظل غياب تام لاهتمام الحكومة اليمنية بأهالي صعدة. زاد من قبول دعوة بدر الدين الحوثي وتمكنها وجود مدرسة سلفية في دماج على يد الشيخ مقبل الوادعي. أما نجل بدر الدين الحوثي حسين فقد كان أكثر مباشرة في أهدافه حيث كان مصممًا على «بناء حزب إيراني في اليمن على غرار حزب الله واستعادة السلطة له بزعمهم أن آل البيت أحق بالسلطة المغتصبة».
اتبع حسين الحوثي -والذي نال شهرة أكثر من والده - خطابًا تقليديًا مغلقًا «لا يمت إلى الزيدية بصلة». وبذلك صنع من الحوثيين تيارًا سياسيًا تابعًا لإيران منهجًا فكريًا وتنظيمًا مليشياتيًا. ولكن يبقى السؤال ما إذا كان هذا الفكر قد التقى مع فكر الهاشميين المؤمنين بالحكم «السلالي» وإلى أي مدى يمكن التوافق بينهما؟ أما بالنسبة للنظام الجمهوري وشخص علي صالح فإن المطلع على أدبيات الحثويين وعقيدتهم في التكفير لا يجد لهما مكانًا في قناعتهم القائمة على الإمامة المحصورة في البطنين (الحسن والحسين).
التحالف المتنافر بين الحوثي وصالح استمر نحو ثلاث سنوات، وعندما رأى صالح الفرصة مواتية انقلب على الحوثيين ولكنه لم يكن مدركًا لعواقب فعلته، إذ سرعان ما صدر على لسان عبدالملك الحوثي حكم بردته، وخلال ساعات أردي قتيلاً في 4 ديسمبر 2017م. لقد نسي صالح بينما لم ينس عبدالملك الحوثي ثأر أخيه حسين. وأثار مقتل صالح أسئلة جوهرية عن حجم قوته الفعلية؟ وعن الجيش والحرس الجمهوري؟ وهل كان قرار الجيش والحرس الجمهوري بيده أم بيد الحوثي؟ وهل وجد نفسه وحيدًا بعد إعلان فك الارتباط مع الحوثي؟
مقتل صالح بهذه السرعة وهذه الطريقة البشعة يؤكد أن الحوثيين لم يسيطروا على صنعاء عام 2014م إلا بعد أن تأكدوا من ولاء قادة مؤثرين في الجيش اليمني والحرس الجمهوري. هذه الفرضية ليست مستبعدة إذا أخذ في الاعتبار مشروع الحوثي السياسي والأيديولوجي من جانب، وأطماع السِلاليين في الحكم. وتتردد مزاعم عن ضلوع بعض الهاشميين في اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي لأنه بدأ بالفعل بناء دولة مؤسسات تكون فيها الغلبة لسلطة الدولة، ثم تورطوا بعد ذلك في اغتيال الغشمي كما ظهر في وثيقة للخارجية الأمريكية رفعت عنها السرية مؤخرًا. الرئيس الراحل صالح الذي خلف الغشمي صنع دولة مخلطة ولعب على التناقضات بين مكوناتها. عمل الحوثيون وحلفاؤهم على اختراق مؤسسات الدولة عن طريق استنبات عناصرهم في الكليات العسكرية وتطعيم الجيش والحرس الجمهوري بقيادات هاشمية وزيدية ماضوية متطرفة.
أصابع الاتهام تتوجه تحديدًا إلى عناصر كانت قريبة جدًا من الراحل وذات معرفة بنمط تفكيره وطريقة إدارته الدولة، ومن أولئك يحيى المتوكل الذي كان البعض يطلق عليه الممثل الأول للهاشمية السياسية. وأيًا كان الذي قام بزرع القيادات العسكرية الموالية للحوثيين الإثني عشرية، وللحكم السِلالي فإن تعهدهم بالتغذية الأيديولوجية لم تتوقف يومًا وبخاصة من قبل بدر الدين الحوثي وحسين بدر الدين الحوثي وأخيرًا عبدالملك بدر الدين الحوثي، ولا شك أن ذروة الأدلجة حدثت في السنوات الثلاث الأخيرة، وهو ما يؤكد أن صالح لم يكن ذا شأن في معادلة القوة على الأرض، وأن الحوثيين كانوا قد أطبقوا السيطرة على القوات المسلحة، وتمكنوا من بناء عقيدة عسكرية خاصة بهم التزم بها المقاتلون تعبدًا بطاعة (السيد).
التاريخ ربما يسعفنا في قراءة المستقبل بعد أن خذلنا غياب المعلومات المعاصرة، وفي يقيني أن المشهد اليمني يتطلب قراءة أكثر واقعية، وحزمًا أشد بأسًا من قبل الشرعية والتحالف، فنحن أمام مشروع حقيقي تم بناء أسسه منذ عقود عدة، وذلك حتى لا نفاجأ بدولة ولي الفقيه تعلن عن نفسها في اليمن.