عمر إبراهيم الرشيد
كلما تصفحت عرضًا شيئًا مما يُكتب أو يُبث على موقع (تويتر) تذكرتُ مقولة الروائي الإيطالي أمبرتو ايكو صاحب رواية (اسم الوردة) وغيرها. كتب يقول في حق هذه المواقع بقصد وصف الكثيرين من مستخدميها: «إن تلك المواقع تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى ممن كانوا يتكلمون في الحانات بعد تناول الكأس دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورًا، أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء!».
أضحوكة مفردة التطبيع مع (إسرائيل)، وما وُضع لها من عناوين، إما من قِبل تافهين أو عملاء من حيث يدرون أو لا يدرون، تهلل للتطبيع، أو تتنادى له، وكأن أولئك لم يطلعوا على مواقف الغالبية العظمى من المصريين الرافضة للتطبيع بأي شكل من الأشكال، بالرغم من مرور عقود على اتفاقية كامب ديفد الموقَّعة عام 1978م، وبالرغم من المحاولات المستميتة من قِبل حكومة الاحتلال سعيًا للتطبيع، التي قوبلت بالهجوم المضاد من قِبل قطاعات عريضة من الشعب المصري والنقابات والمنظمات الحكومية والمجتمع المدني. كذلك الحال مع المجتمع الأردني بالرغم من اتفاقية السلام الموقَّعة بين الحكومة الأردنية وحكومة الاحتلال، فكيف بمن ينادي بيننا للتطبيع الذي جزمًا بعضهم لا يدري ما تعنيه تلك الكلمة. أما من يعمل ضدنا من خلال تلك المواقع، سواء كانوا صهاينة أو عملاء لهم، فيعلمون المقصد منها، لكنها محاولة بائسة للاختراق والتغرير بصغار العقول والفاسدين. إنها أضحوكة بالفعل، فالذي ينادي بالتطبيع جهلاً وسفهًا كالذي يضع العربة أمام الحصان.. فهل نَعِم الفلسطينيون بالسلام بعد توقيع حكومة الاحتلال معهم اتفاقيات مدريد وأوسلو؟ وعندما أقول الفلسطينيون فإني أقصد الشعب الفلسطيني الرازح تحت نير الاحتلال، ولا أقصد التنظيمات بمختلف توجهاتها السياسية؛ فإنها - وللأسف الشديد - بخلافاتها أضاعت البوصلة فضاع معها الشعب المناضل في الداخل الفلسطيني والشتات. ومما يبث على مواقع التواصل من تبادل للاتهامات والشتائم وبذيء الكلام بين فلسطينيين وسعوديين، وعلو تلك الأصوات وهمًا وظنًّا أن أصوات العقلاء من الطرفين غير موجودة، يذكِّرني حقًّا بمقولة الروائي الإيطالي أمبرتو ايكو بأن تلك الأصوات وذلك النعيق إنما هو «غزو البلهاء». فالمملكة حكومة وشعبًا منذ عهد المؤسس - رحمه الله - حتى اللحظة تدعم - ولا تزال - قضية العرب الأولى، وشعبها في الداخل ومَن يقيم هنا بالمملكة؛ فالفلسطينيون هنا ممن اضطرتهم ظروف الاحتلال البغيض للنزوح يعيشون بين السعوديين بكل أمان، يشاركونهم استقرار العيش والرخاء بفضل الله. والمعروف أن من أبرز مَن خدم القضية الفلسطينية منذ شبابه بوقته وجهده وماله هو الملك سلمان - حفظه الله -. أما تعميم الاتهام للفلسطينيين وأخذهم بجريرة بعض الساسة وقادة التنظيمات الفلسطينية - كما قلت - فإنه جهل وظلم للفلسطينيين المخلصين، أو الذين يكافحون للعيش ومشاركة الآرين سُبل الحياة، وللمناضلين كذلك في الداخل الفلسطيني الذين يقاومون بما استطاعوا جحافل الاحتلال وهم عزَّل. والمملكة حكومة وشعبًا وبمكانتها الروحية والسياسية لم ولن تعترف بـ(إسرائيل) كدولة فكيف تطبّع أو يطبّع شعبها العلاقات دون أي اعتراف أو رابط؟ فما لكم كيف تحكمون؟! قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ما هي إلا حلقة في سلسلة لربط يهود الشتات المحتلين بأرض فلسطين. وكنتيجة للضعف والتشتت العربي أتت هذه الخطوة المؤجلة سنوات طوالاً، إنما لا بد لتلك السلسلة يومًا أن تنكسر، وهذه مشيئة العلي القدير.