العقيد م. محمد بن فراج الشهري
في مقالات سابقة كتبتها عبر صفحات «الجزيرة» حول اليمن وأحداثه, تطرقت بكل وضوح إلى ما يحدث الآن تصديقاً لحاستي السادسة التي أوحت لي بما يحصل اليوم من أحداث في اليمن.. فقد توقّعت في مقالاتي السابقة أن يكون مصير صالح كما كان مصير القذافي من قبله.. والمشهد الذي شاهدناه وشاهده العالم على الساحة اليمنية قبل أيام ما هو إلا جزء من مسلسل الخيانات الكثيرة والكبيرة المشتركة التي طافت بالساحة اليمنية بداية من مشائخ القبائل وأنصار الأطراف المتصارعة على المصالح الداخلية والخارجية, وتماشياً مع سياسة (فرِّق تسد) في الشأن اليمني منذ عام 2011 وحتى اليوم, ولسنا شامتين بما حصل للرئيس السابق علي عبد الله صالح, ولو كانت دول التحالف تريد استهداف صالح لكان تم ذلك منذ بداية عاصفة الحزم وبسهولة, وهي تعرف تماماً أين يتحرك ومتى, وكذلك تكشف الأرض والسماء من حوله, ولكنها أبعدت عن ذلك وتركت الأمور لأصحاب البلد يقررون هم ماذا يريدون, وهي تساند لملمة الشتات اليمني وعدم وقوعه لقمة سائغة في يد إيران لتعبث به كيفما تريد, لكن الذي حصل أن التحالف بين صالح والحوثي كشف لكل منهم نوايا الآخر, ولم يكونوا على وفاق منذ سنوات حتى يكونوا على الوفاق الآن, لكن ظروف التشتت اليمني جعلتهم يعملون مع بعض لفترات مؤقتة استنزفت المواطن اليمني وجعلته في أسوأ حالاته.. كانت هذه الفترة أشبه بالقِدر الذي ينتفض من حرارة النار تحته, والرئيس صالح ارتكب أخطاء الشاطر الذي كان خطأه بمئات وليس بعشرة, فلقد أتيحت له فرص عديدة للنجاة من هذه النهاية, قدمتها له المملكة ودول الخليج, ورفضها بتعنته وإصراره على ارتكاب أخطاء كان في غنى عنها, كما فعل القذافي. ولو كان استمع إلى نصيحة ومشورة ورأي الدول الخليجية وفي مقدمتها المملكة لكان اختصر عناء الشعب اليمني بأكمله وكان حصر الأمر في شلة الحوثي وتم إفساد مخططاتها قبل أن يسلّمها زمام الأمور بالكامل ثم يعود لينتفض بعد أن فقد كل شيء.. نعم إن صالح لا تنقصه الخبرة ولا الدهاء إلا أنه ارتكب حماقات أضاعت اليمن بأكمله وضاع هو في مجملها.. أما ما حصل في حكاية قتله فهي مسرحية درامية مضحكة صورها الإعلام الحوثي والقطري على أنه هروب من صالح وخيانة للوطن, وصالح تم قتله مباشرة بعد تصريحه الذي ظهر به قبل مقتله بيوم في منزله المتمترس فيه في مساء الأحد 15-3-1439 هـ وليس خارجه على يد المجرم السفاح عبد الله الرزامي ومجموعتهوأجهزة الحوثي التي كانت تبحث طوال الفترة الماضية بتحديد موقعه, ولم تستطع لأنه كان يتحرك بخفية وتمويه مدروس حتى أتاه الاتصال (القطري) وأحد المشايخ الخونة بعد تصريحه مباشره بحجة المصالحة ورأب الصدع بين الطرفين وبناءً على ذلك الاتصال تم تحديد مكانه وفي نفس اللحظة تمت مهاجمة الموقع وقتله بالرصاص وسحبه إلى الخارج وقاموا بعمل تلك المسرحية المفضوحة في طريق سنحان وقاموا بتصويره هناك للإظهار أنه هارب رغم الشواهد التي توضح كذب ما نشر منهم وعنهم وكانت المتابعات اللا سلكية لصالح مكشوفة، حيث تمكَّن الحوثيون من السابق بالسيطرة على مفاصل الدولة المهمة ومن ضمنها الاتصالات, كذلك أيضاً تمت الخيانة من أحد المرافقين والذين مع صالح والذي كان من المقرّبين وهو وزير سابق المدعو عبد الملك السياني وهو من قبيلة سنحان ولكنه كما يدّعي في الأصل هاشمي حوثي, والتواصل بينه وبين الرزامي وهم الذين شاركوا في هذه الجريمة بمساندة الاستخبارات القطرية, والإيرانية ومراقبة الاتصالات الأخيرة بين تلك الأطراف.. وأكد ما قلته مستشار وزير الدفاع اليمني على إحدى القنوات الفضائية وكثير من الساسة اليمنيين الذين أكدوا أن صالح لم يقتل في طريق سنحان أبداً وأنه قتل بعد الاتصالات القطرية مباشرة في منزله, حيث سبق للحوثيين البحث عنه في كافة المربعات التي يعتقدون وجوده فيها ولم يستطيعوا حتى تم الاتصال القطري, بخيانة مرتبة, وتم تحديد موقعه ومن ثم الهجوم عليه وتجريده, والتمثيل به ومن ثم سحبه إلى الخارج مع من كان معه وكأنه قتل في الطريق إلى سنحان بصور ملعوبة وتمثيلية درامية وقحة للحوثيين والخونة المشاركين في اغتياله.. لذلك وخلاصة القول إذا أراد الشعب اليمني الخروج من هذا المربع الخانق, القاتل, المزري, الذي تفوح منه روائح الخيانة من كل شبر فيه فعليهم أن يتوحّدوا صفاً واحداً وجيشاً واحداً مع المواطنين المكلومين الذين ذهبوا ضحية الحوثيون, ومرتزقة إيران وعليهم أن يوحّدوا صفوفهم وينضووا تحت قيادة الشرعية, فليس لهم من مخرج وأقولها بكل وضوح وصراحة ليس لليمنيين مخرج من دمار الحوثي إلا بالرجوع للشرعية, ولم الشمل وتوحيد الصفوف, وعفا الله عمَّا مضى, وعلى ساسة اليمن وحزب المؤتمر الشعبي, عليهم أن يفيقوا من هذا السبات القاتل ويلملموا ما بقي من شتات الشعب اليمني ويعودوا للشرعية الأصلية ليقطعوا دابر الخيانة الرسمية لجماعة أنصار الشيطان ومن يسندهم.. والحيَّة الرقطاء إيران والعقرب الصغير والأذناب الآخرين في اليمن وخارجه, وعدم رمي التهم هنا وهناك، فالأوراق الآن أصبحت مكشوفة, ولا يتجاهلها إلا أعمى بصيرة يريد الإضرار باليمن وأهله عنوة.. وإذا لم يتوحّد اليمنيون فلن تقوم لليمن قائمة, وستتدهور الأوضاع كلها فيه, ويصبح بلداً منكوباً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى, والعودة إلى الشرعية يمنع حدوث المزيد من هذا العنف المتسارع على الساحة اليمنية بشكل عام, وأي عاقل يريد لليمن الخير ينصح بهذا الطريق ولا طريق سواه إذا ما أراد اليمنيون الخروج من قبو الحوثيين الذين قضوا فيه ثلاث سنوات يعيشون مع الجرذان في الكهوف والأحراش, لا أمن ولا اطمئنان, ولا سلام, فهل ترى يعود اليمنيون إلى جادة الصواب ويلحقون ما بقي من وطنهم إلى جانب الشرعية قبل أن تلتهم نيران الغدر والخيانة والعبث ما بقي من أراضيهم.. نقول ذلك ونحن في أشد الأسف على ما جرى ويجري ولكن الحل لا بد أن يكون من اليمنيين أنفسهم وليس من خارجه.. ولن يصلح الله ما بقوم حتى يصلحوا ما بأنفسهم، والله من وراء القصد..