عبدالعزيز السماري
كان لقرار نقل السفارة والاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل عميق الأثر على مختلف المواقف العربية والإسلامية، وكان فيها إحياء لروح المواقف التاريخية الموحدة، والبعيدة عن الطائفية النتنتة والانقسام الأيدولجي المسيس..
وقد نكون في يوم ما في غاية الامتنان للموقف الأمريكي الأخير، الذي كشف الأقنعة التي كانت تدير أعقد قضية إنسانية في التاريخ الحديث، إذ كيف يرضى المجتمع الدولي الإنساني بترديد مقولات وأساطير مثل الأرض المقدسة أو الحق التاريخي لجماعة ربما كانوا هناك في فلسطين قبل آلاف السنين لتبرير طرد وتشريد السكان الأصليين للأرض العربية..
حقق قرار نقل السفارة أهدافًا إستراتيجية، يأتي في مقدمتها أن معادلة الخصم والحكم في مسألة احتلال الأراضي العربية سقطت، فقد كان البيت الأبيض على وجه التحديد في قضية فلسطين يقوم بأدوار مزدوجة وغير عادلة إذ لا يمكن أن يكون حكماً ومنحازاً في نفس الوقت مع طرف ضد آخر.
وقفت المملكة ومختلف الدول العربية والإسلامية ضد التطرف الديني على أراضيها، وعملوا على تجفيف المنابع الرئيسية للحل الفوضوي أوالإرهاب الديني في المنطقة، لكن ذلك لم يكن كافياً لدفع الحكومة الإسرائيلية المحتلة لحل سلمي للقضية الإنسانية، بل كانت المفاجأة أن تم استغلال تلك المواقف لمنح الاستيطان المبني على دوافع دينية شرعية أكثر، وهو ما ينذر بسقوط خطط السلام والعمل الدولي ضد الإرهاب الديني.
عربياً عليهم استغلال هذا القرار لطرد الطائفية من العقل العربي، وإعادة أجواء ما قبل حرب 73 ميلادي، فقد كانت فترة ذهبية بلا جدال، وخالية من الخطاب الأيدولوجي بعد سقوط الناصرية، وصعود إستراتيجية العمل العربي المشترك ضد الأخطار التي تهدد الأراضي والأقاليم العربية.
لن يأتي السلام، إذا كانت بعض الأساطير الدينية في المعتقدات الدينية للغالبية البرستانتية البيضاء في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، تحكم القرارات السياسية التي لها علاقة بفلسطين، والمستندة على عهود في العقد القديم أو التوراة، وستستمر الأطماع تماماً مثلما حدث في الأندلس، فلم يتوقفوا حينها حتى طرودا الشعوب العربية والمسلمة من الأراضي.
أحياناً قد تكون الحقيقة مؤلمة للغاية، فقد أثبتت التجارب المتتالية أن مشروع السلام ليس على الإطلاق في الأجندة الإسرائيلية، وأن الحل لن يخرج من إعادة ثقافة المقاومة في الأرض المحتلة، على أن يقف العرب صفًاِ واحداً ضد المتاجرة بالقضية العربية، وأعني بذلك مسألة أن تكون المقاومة طائفية أو تكون في خدمة أغراض سياسية أخرى.
تعلمنا من تاريخ المبادرات العربية ومشاريع السلام أن الحكومة الصهيونية لا تريد السلام، فالمشروع التوراتي يتجاوز القدس، ويقوم على طرد السكان العرب من الأراضي العربية، وستكون المرحلة القادمة مهيأة لهذه الخطوات، ولهذا على العرب دعم السكان العرب داخل الأراضي المحتلة، ورفع مستويات التعليم والمعيشة لديهم.
يجب أن نتجاوز النعرات العرقية والشتائم السياسية، فالخطر قادم وسيكون على الجميع، وإذا لم نصل إلى هذه القناعة سنخسر العمق العربي القوي حول فلسطين، ولهذا على العرب أن لا يقبلوا أي فكرة لتقسيم سوريا على أساس طائفي أو قومي.
كل السياسيين الذين راهنوا على عقد سلام منفرد مع إسرائيل خسروا في نهاية الأمر، فالحلول يجب أن تبقى جماعية وتتجاوز العقول الطائفية أو العرقية، وأن يتفقوا أنهم في قضية الأمن العربي عليهم أن يتجاوزوا خلافاتهم وأزماتهم الطارئة.
القرار أخرج الإدارة الأمريكية من القيام بدور الراعي الرسمي لمشاريع السلام في الأرض العربية المحتلة، والبديل أن نعبر عن ذلك بمنتهى الشفافية، لكن بدون إحراق أوراق العلاقات الإستراتيجية مع أمريكا كدولة تعتبر أحد مصادر الحضارة الإنسانية والمادية في هذا القرن.