يوسف المحيميد
تخيلوا لو أننا عشنا في زمن قديم جدًا، قبل التعامل بالعملات الورقية، حينما كان الإنسان يتعامل في الشراء والبيع بالمقايضة من خلال السلع، ثم جاء شخص بيده ورقة، مجرد ورقة، وحاول أن يقنعنا بأن نشتري ونبيع بموجب هذه الورقة، وأخبرنا أن الدولة الفلانية لديها بنك مركزي يضمن القيمة لهذه الورقة البسيطة، هل كنا سنقتنع؟ أو بمعنى آخر هل سنقتنع فورًا أم سنبقى سنوات وعقود طويلة ونحن نحاول أن نستوعب هل هو صادق أم يحاول خداعنا كي يستولي على السلع التي نمتلكها، كالبيوت والمزارع والحيوانات وغيرها؟
أعتقد أن العالم الآن، وفي العصر الرقمي، يعيش حالة مشابهة مع العملة الإلكترونية المسماة «بيتكوين» ومثيلاتها من العملات الإلكترونية الجديدة، التي لا نراها فعليًا، لكننا نستطيع امتلاكها من خلال الإنترنت، ونشتري من خلالها السلع والبضائع، ونمتلكها من خلال الشراء بعملة نقدية تقليدية، كالدولار واليورو، وأيضًا نستطيع بيعها مقابل هذه العملات، وسعر البيتكوين مثل العملات التقليدية، يختلف من وقت إلى آخر، فقد وصلت في لحظة ما إلى نحو عشرة آلاف دولار، كونها نادرة، وإنتاجها مكلف جدًا، ويعتبرها البعض مخزنًا للقيمة لأن هناك ضمانًا بعدم إنتاجها، لعدم وجود بنك مركزي يمكنه زيادة المعروض منها، وقد لا تستخدم كعملة تداول للعمليات الصغيرة، لكنها تستخدم للإدخار، فهل هي عملة أم سلعة نادرة وثمينة، جاءت من خلال هذا العصر الرقمي الإلكتروني؟ وهل سيأتي يوم تعترف بها حكومات العالم كما فعلت ألمانيا، وربما غيرها، وهل سيتوسع استخدامها على نطاق واسع؟ ونعتاد سماع: كم رصيدك من البيتكوين؟ وهل ينتظر العالم قفزة هائلة في التعاملات النقدية وأسلوب الحياة، بحيث نبدو نحن بالنسبة لمن سيعيش على هذه الأرض بعد قرون، كرجال الكهوف؟ ونصبح نحن بحياتنا البسيطة جزءًا من متاحفهم الإلكترونية؟ لا أعرف، لكن العالم مخيف ويركض نحو المجهول، وربما يعود مجددًا للكهوف، من يدري، كل شيء محتمل أمام جنون العلم، وفوضى الإنسان.