مها محمد الشريف
نحن على علم بالمأخذ الموجه من السيد دونالد ترامب إلى دول الشرق الأوسط، في تسخير اهتمامه للوقوف مجددًا ضد استقبال بلاده للمهاجرين، وإنهاء مشاركتها في الميثاق العالمي للهجرة، في خطوة قد تحمل تبعات جيوسياسية، كانت هذه بداية وتسخين للقرار الأعظم والأكبر بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهو اعتراف صريح بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإيفاء بوعود قطعها على نفسه في حملته الانتخابية.
إن الأمتين الإسلامية والعربية ترفضان هذا الاعتراف جملة وتفصيلاً، والمملكة وجامعة الدول العربية حذرتا من تبعات هذا الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل لأنه يخالف القرارات الدولية واعتداء صريح على دولة فلسطين، وكما قال خادم الحرمين الملك سلمان: «نقل السفارة الأمريكية إلى القدس خطوة خطيرة تستفز مشاعر المسلمين».
في الواقع هو اعتراف بمكره وجنونه أفظع من جرائم الاحتلال كافة وتواطؤ يدفن معه أكبرالأحلام، وعدم مراعاة لظروف وتطلعات عملية السلام التي ناضلت الحكومة الفلسطينية سنين طويلة من أجلها، وانقسام الآراء الدولية بشأن قرار مصيري تنتهي كل الخيارات إلى الجحيم ويقود إلى انشقاق واضطراب كبيرين في المجتمع الدولي، وأخشى أن تكون تلك المخاوف مؤدية إلى انفجار الوضع السياسي والشعبي في العالم ككل وستجلب معها الكثير من المتاعب والارتباك للمنطقة.
وجاء في بيان السعودية لنصرة القدس أن حقوق الشعب الفلسطيني في القدس وغيرها من الأراضي المحتلة تاريخية وثابتة، كما شدد البيان الذي أصدره الديوان الملكي على مساندتها لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس مؤكدة أن الإجراء الأمريكي لن يتمكن من فرض واقع جديد عليها.
ومع إشعال ترامب الأوساط السياسية والشعبية بهذا القرار اشتعلت معه ولاية كاليفورنيا بالحرائق وكأن اللعنات بدأت تلاحقه. يومًا بعد يوم تتسع رقعتها حتى وصلت إلى 100 ألف فدان وأخلت السلطات آلاف السكان، بعد ما ازدادت نجوميته في السياسة الداخلية وأخفقت في السياسة الخارجية، وكان قد أحرز خلالها نصرين سياسيين، في غضون 72 ساعة، ففي يوم الجمعة الماضي، أقر مجلس الشيوخ قانونه الضريبي، ويوم الاثنين سمحت المحكمة العليا بالتطبيق الكامل لأحدث أمر بحظر سفر مواطني ست دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة.
لذا، لا بد لنا أن نتساءل: لماذا انسحابها من ميثاق الهجرة؟، هل هو تكملة لنهج ترامب هذه الشخصية الذرائعية في التضييق على المهاجرين؟، أم هوالخوف من الجماعات الإرهابية لإنقاذ شعبه من الضرر، والصحيح أن هذه الاحتمالات غير مقنعة، ولكن غالبًا ما تختار الدول حياة خالية من المتاعب والاضطرابات وتكتفي بما لديها في الداخل من مشكلات اقتصادية وسياسية والحد من دخول المهاجرين لأراضي الولايات المتحدة لتلافي الكلفة الاقتصادية كأحد هذه الأسباب على ما اعتقد!!
فمنذ تسلّم ترامب لمنصب الرئاسة، ابتعد عن المدى الإستراتيجي وسار في اتجاه آخر معاكس حتى أصبحت الولايات المتحدة خيارًا ضعيفًا للعديد من المهاجرين، وهو أمر لا مثيل له في تاريخ أمريكا، مما جعل الشعوب تدرك أن الديمقراطية ظاهرة ستنتهي مع هذه القرارات عمّا قريب.
إذًا، إن أعظم خطأ يمكن لترامب أن يقع فيه عند قيادة دولة عظمى هو عداء الشعوب والدول الحليفة والصديقة، وهذا يعد مقدمة أو جبهة تمهد إلى فقدان الطريقة وصراع دون معارك سيدفع ثمنها مئات المدنيين من فلسطين المحتلة.