د.عبدالله مناع
لم يكن متوقعاً.. أن تنتهي العلاقة بين الرئيس اليمني السابق: (علي عبد الله صالح) و(المليشيات الحوثية) الذي تم الإعلان عنها يوم السبت - قبل الماضي - .. بهذه السرعة.. وبهذه الصورة التراجيدية العاصفة والمؤسفة - إنسانياً - ، والتي انتهت بـ (اغتيال) علي عبد الله صالح بـ(خمسة وثلاثين) رصاصة.. بـ(سواعد) ما يزيد على مائتي حوثي.. من عبدة (عبد الملك الحوثي).. زعيم الحوثيين، الذي لم يخجل.. من أن يعلن في أعقاب ذلك عن تهنئته لـ(الحوثيين) ولـ(الشعب اليمني) بهذا الإنجاز التاريخي العظيم!! دون أن يرف له (رمش).
***
ولكن (المسؤول) عن هذا الانحطاط السياسي واللا أخلاقي.. الذي لا مثيل له في التاريخ الإنساني ليس هو فقط (المغدور) علي عبد الله صالح، وإنما أيضاً (عبد الملك الحوثي): شيخ جبهة أنصار الله.. في محافظة (صعدة)، الذي انقلب على (زيديته) في غمضة عين، وأعلن انتقاله إلى: (الإثني عشرية)، والذي لم يكن ليعرفه أحد.. خارج محافظته (صعدة).. إلا بعد تحريكه لمظاهرات (الحوثيين): احتجاجاً.. على قرار الرئيس عبد ربه منصور هادي.. بـ(رفع) الدعم الحكومي عن أسعار البترول ومشتقاته.. انتصاراً لـ(الفقراء) اليمنيين ومحدودي الدخل، كما كان يدعي آنذاك مع إضافة (مطلبين) وطنيين آخرين.. هما: (إنفاذ) مخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل، الذي لم تنته لجنة صياغة الدستور من وضعه في صورته النهائية بعد، و(تغيير) حكومة الوفاق الوطني الفاسدة من وجهة نظرهم التي كان يرأسها آنذاك (محمد باسندوه).. إلا أنه مع وصولهم إلى (صنعاء).. تحولت المظاهرات السلمية والوطنية في ظاهرها.. إلى احتلال لشوارع.. العاصمة وميادينها، ومهاجمة لمقار وزاراتها وإداراتها الحكومية.. كان الرئيس السابق يستجيب لدعوة لـ(التحالف) مع الحوثيين وسط دهشة العالم كله واستنكاره.. ليضع نفسه - وعلى الفور - وإمكاناته ونفوذه على القوات المسلحة اليمنية والحرس الجمهوري.. في خدمة الحوثيين، وهو ما مكن الحوثيين.. من الاستيلاء على الوزارات وكبريات مؤسسات الدولة.. وعلى خزينتها، وعلى كل صغيرة وكبيرة في العاصمة (صنعاء) وإلا.. من أين لـ (الحوثيين) أن يأتوا بكل هذه (الدبابات) و(المدافع الثقيلة) للاستيلاء بها على كل موجودات العاصمة (صنعاء).. وما حولها: إن كان في مأرب أو تعز أو الحديدة.؟!.
***
لقد كان عجيباً ذلك الذي كان يفعله (علي صالح)..!! فماذا كان يرجو من تحالفه مع (الحوثيين)..(؟!) الذين قاتلهم وقاتلوه لست مرات على مدى عقد التسعينيات.. من القرن الماضي..؟!. أكان يتصور.. أن يسلمه الحوثيون: (حكم اليمن) - في النهاية - لو أن الأمور سارت لـ(صالحهم)..؟ فيعود ثانية إلى القصر الجمهوري الذي غادره في نوفمبر من عام 2011م بعد التوقيع على (المبادرة).. وهو يطلق عشرات الضحكات الساخرة من المبادرة الخليجية وفكرتها في إخراجه واستبداله سلمياً..؟!. فقد كان (الرئيس السابق) يعتقد أنه من أذكى الأذكياء.. وأنه ربما الدبلوماسي اليمني الوحيد، الذي يستطيع أن يلعب بـ(البيضة والحجر) كما يقولون!! وفي كل الأوقات وأصعبها: فلا تنكسر (البيضة) في يده ولا يضيع (الحجر).. ولكن خانه ذكاؤه في هذا التحالف مع (الحوثيين).. المتخلفين فكرياً وسياسياً واجتماعياً إلى أبعد حدود التخلف.. فكانت نهايته المأساوية هذه، التي انتصر فيها الحوثيون لـ (أجندتهم) الإيرانية ليبيعوه بدون ثمن دون شك.
***
لقد كان من المفترض.. وقد حكم اليمن لثلاثة وثلاثين عاماً، أن يعود بعد أن قام بـ(التوقيع) على المبادرة الخليجية.. إلى منزله في صنعاء، وإلى مكتبه في إدارة حزب المؤتمر العام الذي كان ومازال يرأسه.. خاصة أن البرلمان اليمني أعفاه - بعد عودته من الرياض - من أي ملاحقة قضائية أو قانونية، هو وحكوماته واتباعه، وهو ما كان يمكن أن يوفر له: حياة هانئة هادئة مطمئنة تتكئ - وطنياً - على آخر وأجمل إنجازاته: عندما استضاف اليمن عام 2011م الدورة العشرين لـ(بطولة) كأس الخليج، وظهر اليمن خلالها - ولأول مرة - في أبهى وأجمل صورة.. حياة ليست بعيدة.. عن السياسة وبريقها بحكم رئاسته لـ(حزب المؤتمر).. ليكتب مذكراته عن الثلاثة والثلاثين عاماً التي حكمها - كأي سياسي محترف - ، فإذا جد في الأحداث من حوله.. ما يستوجب عودته إلى الساحة.. فعل ذلك بهدوء وتؤدة.. وليس بهذه الدرجة العالية من الجشع والتوتر، أما أن يتحالف مع (الحوثيين) لمواجهة (الشرعية) وقطع الطريق عليها وعلى برنامجها السياسي، الذي لم يتبق منه غير الاستفتاء على (الدستور الاتحادي)، وذبح اليمن وشعبه.. من الوريد إلى الوريد، وتدمير مدنه وإنسانه إما جوعاً أو مرضاً.. فتلك جرائم لا يُعفى مرتكبها من عقوبتها.. بل وقد تجد من يطالب بمضاعفتها..! أو يبارك ما حدث له.
***
لقد أخر هذا التحالف الشرير اليمن - ليس لأربع سنوات - ولكن ربما لعشر سنوات أو أكثر.. فإلى جانب الدمار الذي ألحقه بـ (المصانع) القليلة والشركات الأقل، التي بنيت بـ (المحبة) والصداقات وطلوع الروح.. إلى جانب ما ألحقه بالشوارع والميادين والمباني، كان هناك آلاف الأرواح التي ذهبت ضحية أطماعه.. وأحلام الحوثيين، الذين وجدوا أنفسهم في قلب (السياسة) وهم أجهل الناس بها.. وأبعد الناس عنها، فقد كانوا يطالبون في لجنة صعدة مثلاً.. بـ (حق تقرير المصير) لـ (صعدة).. وكأنها دولة.. وليست محافظة من ثلاث وعشرين محافظة يمنية؟!.
***
لقد فاتته الفرصة التي جاءت تسعى إليه، عندما وقع على المبادرة الخليجية في قصر الملك عبد الله بن عبد العزيز بالرياض في 23 نوفمبر 2011م.. معززاً مكرماً، ثم عاد إلى صنعاء.. ليستقبله البرلمان اليمني بقرار العفو عن ملاحقته هو وحكوماته قضائياً وقانونياً.. ولكن لا ليتحالف فيما بعد مع (الحوثي).. بل ليعارضه ان خرج على الشرعية، وينتصر لها.. خاصة أنه لم يبق من بلوغها محطة النهاية في مسارها.. إلا الاستفتاء على الدستور الاتحادي.. لتعقبه انتخابات تشريعية أو رئاسية، ولكنه لم يفعل ذلك.. ولم يدفع عنها بلاء الحوثيين.. وردهم لـ (صعدة) ثانية. ولو أنه فعل ذلك.. لكبر في أعين اليمنيين.. وأحبه الشارع اليمني.. وبكاه بشبابه وكهوله ورجاله وأطفاله، ولغدا في أعينهم واحداً من رؤسائهم التاريخيين.. من أمثال: عبد المغني والسلاَّل، والحمدي: ولكنه لم يشأ لنفسه إلا ما كان!!.