د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تقف ُالآثار والتراث الوطني بأشكاله لتسرد مراحل التمدن الذي مرَّ ببلادنا وثقافتها العريقة، ويُسْتنطق الماضي كامتداد ذي علائق متينة تحتفي بالولاء للمكان وأهله. وعادة ما تحتضن المتاحف تاريخًا ثريًا تضرب جذوره في أعماق الماضي فتكون في الحاضر مشاهدات تلامس أعماقنا، وعند الشعوب المتفوقة يؤطر التراث لصناعة المستقبل.
إنَّ هذه التباريح سنحتْ لي عندما زرتُ في الرابع من الشهر الحالي مع عدد من زملاء الرأي الصُحُفي معرض روائع آثار المملكة العربية السعودية والمعارض المصاحبة لملتقاها الأول الذي نظمته الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني. والحقيقة الماثلة أن المتاحف وما تكتنزه من آثار تحتاج إلى تآزر إعلامي، ليس لإبراز مقدرات التراث ومقتنياته داخل أوعيتها إنما ليعلن الإعلام عن المكتشفات الجديدة من كنوز التراث الوطني والآثار المستعادة بعد نأي، والحضور الجديد لآثارنا على أرضها، ولينشر الإعلام نبض الماضي ليصل وجيبه للحاضر ويحفز للمستقبل، وحضرتْ متاحفنا بروائع آثارنا في محطات عالمية كبرى فانبهروا حين شاهدوا ابن الشمس وربيب الصحراء وقد أورقت الرمال بين يديه، فصارتْ آثارنا في جولاتها واجهتنا العالمية المضيئة، واليوم تحط روائع آثار بلادنا بكل تجلياتها في قلب الرياض العريق في المتحف الوطني الذي يتوسط منائر التاريخ السعودي حينما اصطفت فوقها سنابك الخيل تحمل المؤسس ورجاله الأشداء ليعلنوا للعالم ميلادنا.
ومنذ الأزل وهذه الثقافات التي اعتصرتها قوة الإنسان في ماضيه تنشد مسترادًا ينمو معه الشغف الوطني ويكون سفارات تنبئ عن إرث معنوي يعد مؤشرًا عاليًا على حضارة البلاد وفكرها وتاريخها؛ فكانت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني حاضنة نشطة بقيادة من راد السماء فاكتشف الأرض سمو الأمير سلطان بن سلمان؛ وما فتئت الهيئة تبني إستراتيجياتها على اليقين بامتلاءات المواقع السعودية بالآثار المشهودة؛ وانبرت تخطو في مجال الاكتشافات فأسفرت عن نواتج غزيرة، وحراك أمين لاستعادة كثير من القطع الأثرية النادرة؛ وكما تقاسمت الهيئة العامة للسياحة مع ثقافات العالم وآثارهم منصات عالمية حينما أعلنت منظمة إليونسكو رسميًا حيازة متكآت لبعض المواقع الأثرية والفنون التراثية في بلادنا كالعرضة السعودية، وحي الطريف في الدرعية، وفن القِط العسيري وغيرها ضمن التراث العالمي، وحيث اطلعنا خلال زيارة المعرض على ما يقارب 41 موقعاً أثرياً استنطقها لنا سعادة مدير الإعلام في الهيئة، ومدير عام المتحف وعدد من المسؤولين والمسؤولات؛ وكان هناك بعض الوقفات التي حفزت الحوار حول بعض الآثار وانتمائها، ولكننا ما زلنا نتطلع إلى التعددية في صناعة واستحداث المتاحف وتخصيصها لتأخذ شكلاً وفيرًا، كما نأمل أن يصاحب هذه المعروضات الثمينة شرح مرئي توثيقي يُعَدّ من قبل المتخصصين ويحمل الاستدلال العلمي والتاريخي؛ وأن تترجم النقوش بما يستنطق عهودها، وليتنا نشرع في تأطير الإعلام التراثي وقنواته التنفيذية؛ وأولها القناة التلفزيونية؛ كما يستلزم واقعنا تحقيقًا لما يهدف إليه برنامج خادم الحرمين للعناية بالتراث الحضاري والوصول إلى أحد أهداف الرؤية الوطنية 2030 بتنشيط السياحة الوطنية والتي لن تكون دون أن يستولد الحضور الكامل للآثار الوطنية والتراث بأشكاله في كل رقعة انغرست في تاريخها. وحتى لا تكون المعرفة والتربية المتحفية في ذيل المعارف لابد أن يكون لكل وزن في الآثار أوزانه الملأى في المناهج التعليمية، وأن تضطلع وزارة التعليم بشراكة منتجة ترتقي إلى برامج عمل محفزة مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
وختامًا، شكرًا للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على حراكها المحمود في لَمِّ شمل الآثار السعودية وتصديرها للعالمية، وشكرًا للقائمين على المتحف الوطني ولكل من أولم وليمة من المشاهدات الجميلة.